إذ لم يكن تدخلا في أمر الشارع وبذلك يظهر حكم الأمثلة، كتخصيص يوم أو أيام - غير ما نهي عن صيامه - بالصوم، أو كتخصيص يوم بنوع من العبادة كقضاء الصلوات الواجبة التي فاتت منه، أو ختم القرآن بهيئة الاجتماع مطلقا أو في يوم عرفة، فإن سعة رقعة الدليل كافية في كونها سنة إذا لم يكن من قصده نفي سائر الكيفيات بل كان التخصيص تابعا لعوامل داخلة في حياة الإنسان.
وأما الأسباب التي اتخذها ذريعة للحكم بالبدعة فإليك دراستها:
أما السبب الأول أعني قوله " إن فيها تخصيصا بغير مخصص من الشرع " فغير مضر، إذ التخصيص إنما يكون بدعة إذا نسبه إلى الشرع دون ما كان نتيجة ظروف فرضت عليه اختيار هذا الفرد مع الاعتراف بأنه مثل سائر الأفراد.
وأما السبب الثاني: أعني قوله " إن مثل هذه الأمور عمل اشتبه أمره... " فهو مثل الأول فإنه مشتبه لمن لم يدرس البدعة حقها دون من درسها.
وأما السبب الثالث: أعني قوله: " مخالفة السنة حيث ترك مثل هذا العمل ... " فذلك لأن تركهم لا يكون حجة على كون العمل بدعة بعد افتراض سعة رقعة الدليل وتركهم فردا خاصا لا يدل على عدم مشروعيته إذ لم يكونوا يعانون من الإتيان بسائر الأفراد فلأجله تركوا ذاك الفرد، بخلاف الإنسان الذي فرضت الظروف عليه مداومة هذا الفرد أو كان نشاطه محفوظا فيه دون سائر الأفراد.
قال التفتازاني: " ومن الجهلة من يجعل كل أمر لم يكن في زمن الصحابة بدعة مذمومة، وإن لم يقم دليل على قبحه تمسكا لقوله (عليه السلام): " إياكم ومحدثات الأمور "، ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل في الدين ما ليس منه. عصمنا الله من اتباع الهوى، وثبتنا على اقتفاء الهدى بالنبي وآله " (1).
وأما السبب الرابع: أعني قوله: " انتهاء هذا العمل إلى اعتقاد ما ليس بسنة