إن ما ذكره في البيت الثاني وإن كان حقا، فإن القول بالرؤية لا ينفك عن التجسيم والتشبيه والقول بأنه جسم بلا كيف، أو أنه يرى بلا كيف مهزلة لا قيمة لها لما عرفت من أن الكيفية محققة لمفهوم الرؤية بالبصر كما أنها محققة لمفهوم اليد والرجل، فاليد بالمعنى اللغوي بلا كيفية أشبه بأسد لا رأس له ولا بطن ولا ذنب.
ولكن بيته الأول لا يناسب أدب الزمخشري الذي تربى في أحضان الإسلام والمسلمين وخالط القرآن جسمه وروحه.
ولما أثار هذا الشعر حفيظة الأشاعرة وأهل الحديث قابلوه بمثل ما قال، فقد قال أحمد ابن المنير الإسكندري في حاشيته على الكشاف باسم الانتصاف:
وجماعة كفروا برؤية ربهم * حقا ووعد الله ما لن يخلفه وتلقبوا عدلية قلنا أجل * عدلوا بربهم فحسبهم سفه وتلقبوا الناجين كلا أنهم * إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه إن البادي وإن كان أظلم، ولكنهما كليهما خرجا عن مقتضى الأدب الإسلامي، فالمسلم ما دام على حجة على عقيدته ولم يكن مقصرا في سلوكها لا يحكم عليه بشئ من الكفر والفسق ولا العقاب ولا العذاب.
وقد نصره تاج الدين السبكي بقوله:
عجبا لقوم ظالمين تلقبوا * بالعدل ما فيهم لعمري معرفة قد جاءهم من حيث لا يدرونه * تعطيل ذات الله مع نفي الصفة وتلقبوا عدلية قلنا نعم * عدلوا بربهم فحسبهم سفه (1)