لحق حال النضج وأدرك الزرع والثمرة، وأدرك الغلام إذا لحق حال الرجال، وإدراك البصر للشئ لحوقه له برؤيته إياه، لأنه لا خلاف بين أهل اللغة أن قول القائل أدركت ببصري شخصا معناه رأيته ببصري ولا يجوز أن يكون الإدراك الإحاطة، لأن البيت محيط بما فيه وليس مدركا له فقوله تعالى: * (لا تدركه الأبصار) * معناه لا تراه الأبصار وهذا بمدح ينفي رؤية الأبصار كقوله تعالى: * (لا تأخذه سنة ولا نوم) * (1) وما تمدح الله بنفيه عن نفسه فإن إثبات ضده ذم ونقص فغير جائز إثبات نقيضه بحال كما لو بطل استحقاق الصفة ب * (لا تأخذه سنة ولا نوم) * لم يبطل إلا إلى صفة نقص، فلما تمدح بنفي رؤية البصر عنه لم يجز إثبات ضده ونقيضه بحال، إذ كان فيه إثبات صفة نقص.
ولا يجوز أن يكون مخصوصا بقوله تعالى: * (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) * (2) لأن النظر محتمل لمعان منه انتظار الثواب كما روي عن جماعة من السلف، فلما كان ذلك محتملا للتأويل لم يجز الاعتراض عليه بما لا مساغ للتأويل فيه، والأخبار المروية في الرؤية إنما المراد بها العلم لو صحت وهو علم الضرورة الذي لا تشوبه شبهة ولا تعرض فيه الشكوك، لأن الرؤية بمعنى العلم مشهورة في اللغة (3).
العاشر: إن من كتب حول الرؤية من إخواننا أهل السنة - من غير فرق بين النافي والمثبت - فقد دق كل باب، ورجع إلى كل صحابي وتابعي، ومتكلم و فيلسوف، ولكن لم يدق باب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أحد الثقلين اللذين تركهما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهداية الأمة وفي مقدمتهم الإمام علي (عليه السلام) باب علم النبي وأقضى