مع الأشياء معية قيومية لا معية مكانية، ومع الإنسان أينما كان. فلا يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا وذلك مقتضى كونه قيوما وما سواه قائما به ولا يمكن للقيوم الغيبوبة عما قام به، وفي النهاية هو محيط بكل شئ لا يحيطه شئ، فقد أحاط كرسيه السماوات والأرض، فالجميع محاط وهو محيط، ومن كان بهذه المنزلة لا تدركه الأبصار الصغيرة الضعيفة ولا يقع في أفقها ولكنه لكونه محيطا يدرك الأبصار.
هذه صفاته سبحانه في القرآن ذكرناها على وجه الإيجاز وأوردناها بلا تفسير. وقد علمت أن من سمات العقيدة الإسلامية كونها عقيدة سهلة لا إبهام فيها ولا لغز فلو وجدنا شيئا في السنة أو غيرها ما يصطدم بهذه الصفات فيحكم عليه بالتأويل إن صح السند، أو بالضرب عرض الجدار إن لم يصح فمن تلا هذه الآيات وتدبر فيها، يحكم بأنه سبحانه فوق أن يقع في وهم الإنسان وفكره ومجال بصره وعينه، وعند ذلك لو قيل له: إنه جاء في الأثر أنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا (البدر) لا تضامون في رؤيته (1).
يتلقاه أمرا مناقضا لما تلا من الآيات أو استمع إليها، ويحدث في نفسه ويقول: " الخالق البارئ الذي هو ليس بجسم ولا جسماني، لا يحويه مكان، محيط بالسموات والأرض كيف يرى يوم القيامة كالبدر في جهة خاصة وناحية عالية مع أنه كان ولا علو ولا جهة بل هو خالقهما، وأين هذه الرؤية من وصفه سبحانه بأنه لا يحويه مكان ولا يقع في جهة وهو محيط بكل شئ؟!.
ولا يكون التناقض بين الوصفين بأقل من التناقض الموجود في العقيدة النصرانية من أنه سبحانه واحد وفي الوقت نفسه ثلاثة، وكلما حاول القائل بالرؤية