4 - وقال سبحانه: * (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين) * (الأعراف - 155).
فالمتدبر في هذه الآيات يقضي بأن القرآن الكريم يستعظم الرؤية ويستفظع سؤالها ويقبحه ويعد الإنسان قاصرا عن أن ينالها على وجه ينزل العذاب غب سؤالها. فلو كانت الرؤية أمرا ممكنا ولو في وقت آخر لكان عليه سبحانه أن يتلطف عليهم بأنكم سترونه في الحياة الآخرة لا في الحياة الدنيا، ولكنا نرى أنه سبحانه يقابلهم بنزول الصاعقة فيقتلهم ثم يحييهم بدعاء موسى، كما أن موسى لما طلب الرؤية وأجيب بالمنع تاب إلى الله سبحانه وقال: * (أنا أول المؤمنين) * بأنك لا ترى. فإذا كانت الرؤية نعمة عظمي كما يدعيها القوم، فلا وجه لنزول العذاب عند طلبها غاية الأمر، يجاب السائل بعدم الإمكان في الدنيا.
فالإمعان بما ورد فيها من عتاب وتنديد بل وإماتة وإنزال عذاب يدل بوضوح على أن الرؤية فوق قابلية الإنسان، وطلبه إليها أشبه بالتطلع إلى أمر محال. فعند ذلك لو قيل للمتدبر بالآيات: إنه روى قيس بن أبي حازم أنه حدثه جرير وقال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة البدر فقال:
" إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته " (1). يجد الحديث مناقضا لما ورد في هذه الآيات ويحدث في نفسه أنه كيف صار الأمر الممتنع أمرا ممكنا، والإنسان غير المؤهل على الرؤية مؤهلا لها.
إن هنا محاولتين، للتخلص من التضاد الموجود بين الآيات، وخبر قيس بن أبي حازم الدال على وقوع الرؤية في الآخر نأتي بهما.