أضف إلى ذلك اتفاق فقهاء الشيعة من عصر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى يومنا هذا.
أترى مع هذه الأحاديث مجالا للقول بأن القصر في السفر رخصة لا عزيمة؟! ولو كان الإتمام في السفر سائغا لكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرب عنه بقول أو بفعل ولو بإتيانه في العمر مرة لبيان جوازه كما يفعل في غير هذا المورد.
أخرج مسلم في صحيحه من حديث بريدة قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى صلوات بوضوء واحد. فقال له عمر: إنك صنعت شيئا لم تكن تصنعه؟ فقال: " عمدا صنعته " أي لبيان الجواز (1).
ولو كان هناك ترخيص لما خفي على أكابر الصحابة حتى نقدوا من أتمها نقدا مرا. وبذلك تعلم قيمة تبرير عمل المتمين بأن الإتمام والقصر مسألة اجتهادية اختلف فيها العلماء (2).
وذلك لأن الاجتهاد تجاه النص لا مساغ له، ولم يكن في المسألة أي خلاف إلى يوم أتم فيه عثمان يوم منى.
ويعرب عن وحدة الكلمة ما روي أن معاوية لما قدم مكة صلى الظهر قصرا فنهض إليه مروان وعمرو بن عثمان فقال له: ما عاب أحد ابن عمك ما عبته به، فقال لهما: وما ذاك؟ فقالا له: ألم تعلم أنه أتم الصلاة بمكة؟ قال لهما:
ويحكما وهل كان غير ما صنعت؟ قد صليتها مع رسول الله ومع أبي بكر وعمر. قالا: فإن ابن عمك قد أتمها وإن خلافك إياه لهو عيب فخرج معاوية إلى العصر فصلاها أربعا (3).
إلى هنا تم البحث حول أدلة القول بكون القصر عزيمة. فلنأخذ بالبحث عن أدلة القول بالرخصة.