الاستدلال بالآية على الرخصة على التقدير الثاني.
وثانيا: أن الآية ليست بصدد بيان أن القصر رخصة أو عزيمة، لأنها وردت في رفع توهم الحظر، وكان المخاطب يتصور أن القصر نقصان في الصلاة وهو أمر محظور، فنزلت الآية لدفع هذا التوهم لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه.
(1) وأما أنه واجب أو سائغ فإنما يطلب من دليل آخر وهو السنة وقد عرفت أنها تضافرت على كونه عزيمة.
نظير ذلك قوله سبحانه في السعي بين الصفا والمروة، فقد وردت فيه تلك اللفظة مع كونه عزيمة قال سبحانه: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم) * (البقرة - 158) مع كون الطواف واجبا، وذلك لأن المقام مقام التشريع، ويكفي فيه مجرد الكشف عن جعل الحكم من غير حاجة إلى استيفاء جميع الحكم وخصوصياته (2).
ويؤيد هذا التفسير ما روي عن الباقر (عليه السلام) وقد سأله زرارة ومحمد بن مسلم وقالوا: ما نقول في الصلاة في السفر كيف هي؟ وكم هي؟ فقال:
" إن الله عز وجل يقول: * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر " قالا:
قلنا: إنما قال الله عز وجل: * (فليس عليكم جناح) * ولم يقل " افعلوا "، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقال (عليه السلام): " أوليس قد قال الله عز وجل: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * ألا ترون أن الطواف لهما واجب مفروض؟ لأن الله عز وجل ذكره في كتابه