وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " فاقبلوا صدقته " أمر والظاهر أنه يدل على الوجوب فلا يجوز رد صدقة الله بإتيان الصلاة تماما في السفر، إذ في رد صدقته سبحانه أنانية أمامه.
نعم، القصر في الآية مقيد بالخوف مع أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قصر في الخوف والأمن، وهذا يكشف عن أن الخوف حكمة التشريع لا علته. وبعبارة أخرى ليس مناطا للتشريع حتى يدور الحكم مداره، وكم له في التشريع من نظير.
ويمكن أن يقال: إن التشريع في بدء الأمر كان مختصا بصورة الخوف، ولكن توسعت دائرة التشريع في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإيحاء من الله إلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن المعلوم أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس مشرعا بل هو مبلغ للتشريع.
2 - ما روي عن ابن عمر أنه قال: صحبت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك (1).
3 - عن نافع عن عبد الله (بن عمر) قال: صليت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى ركعتين وأبي بكر وعمر وعثمان صدرا من إمارته ثم أتمها (2).
4 - ما روى عمران بن حصين، قال: غزوت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، ويقول: " يا أهل البلد، صلوا أربعا فإنا (قوم) سفر " (3).
وفي هذا الحديث تصريح بمواظبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على إتيان الرباعية قصرا طيلة ثماني عشرة ليلة، ولو كان رخصة لأتى بها بعض الأحيان تامة، خاصة وأن المقام يقتضي تعليم أحكام الصلاة لأهل مكة الذين أصبحوا يدخلون في دين الله أفواجا عام الفتح، فهم جديدو عهد بالإسلام.