كان للجميع ذلك الضوء لانتشر الفساد وعمت الفوضى أمر الدين ويكون الدين ألعوبة بأيدي غير المعصومين.
وأما التمسك بالحديثين، فلو صح سندهما فإنهما لا يهدفان إلى أن لهما حق التشريع، بل يفيد لزوم الاقتداء بهما لأجل أنهما يعتمدان على سنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا أن لهما حق التسنين.
نعم يظهر مما رواه السيوطي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يعتقد أن للخلفاء حق التسنين، قال: قال حاجب بن خليفة: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة، فقال في خطبته: ألا أن ما سن رسول الله وصاحباه فهو دين نأخذ به وننتهي إليه، وما سن سواهما فإنا نرجئه (1).
وعلى كل تقدير، نحن لسنا بمؤمنين بأنه سبحانه فوض أمر دينه في التشريع والتقنين إلى غير الوحي، وفي ذلك يقول الشوكاني: " والحق أن قول الصحابي ليس بحجة فإن الله سبحانه وتعالى لم يبعث إلى هذه الأمة إلا نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس لنا إلا رسول واحد، والصحابة ومن بعدهم مكلفون على السواء باتباع شرعه والكتاب والسنة، فمن قال إنه تقوم الحجة في دين الله بغيرهما، فقد قال في دين الله بما لا يثبت، وأثبت شرعا لم يأمر به الله (2).
نعم، نقل القسطلاني عن ابن التين وغيره: إن عمر استنبط ذلك من تقرير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من صلى معه في تلك الليالي وإن كان كره ذلك لهم فإنما كرهه خشية أن يفرض عليهم. فلما مات النبي حصل الأمن من ذلك ورجح عند عمر ذلك لما في الاختلاف من افتراق الكلمة، ولأن الاجتماع على واحد أنشط لكثير من المصلين (3).