وكيف كان فكل من الشهادتين دليل تام وبرهان قاطع مثبت لنبوته ورسالته صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مجال لاحتمال أن يقال: ضم شهادة من عنده علم الكتاب إلى شهادته تعالى، من قبيل ضم الدليل الظني إلى الدليل العلمي، لأن الأمر الظني لا يعقل التمسك به في المقام، وجعله دليلا على المطلوب من وجوه ثلاثة:
الأول: أنه لا يتصور اعتبار الأمر الظني في المقام، لأن الاعتبار إما ذاتي كالأدلة العلمية، وإما تعبدي جعلي كالبينة، والطرق، والأمارات الشرعية، وكلاهما منتف في المقام.
أما الأول فظاهر، ضرورة عدم اعتبار الظن ذاتا، وأما الثاني فلعدم تصور التعبد في المقام، لأنه فرع التصديق بنبوته صلى الله عليه وآله وسلم فلا يعقل جعله دليلا تعبديا مثبتا لنبوته صلى الله عليه وآله وسلم.
والثاني: إن التعبد بالظن أو الظني إنما يتطرق في مورد الجهل بالواقع وعدم العلم بوفاته أو خلافه، فلا يعقل أن يجعل دليلا على رسالته صلى الله عليه وآله وسلم مع وجود ما يوجب العلم بها وهو شهادته تعالى، سيما مع تقديم شهادته تعالى عليه في الذكر.
والثالث: أن أصول الدين لأهميتها لا تثبت إلا بالعلم، والظن أو الظني إنما يعتبر حيث يعتبر في الفروع لا في الأصول.
وقد ذم تعالى شأنه قوما ركنوا إلى الظن في أصول عقائدهم فقال جل ذكره: ﴿إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾ (1) فكيف يحتج لإثبات رسالة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بما نهى عن اتباعه والركون إليه.