وهذا طريقة المتقدمين من الخائفين من أئمة الدين فإن السلف ومن تابعهم كالأئمة الأربعة مشو على ذلك قال الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه من قال لا أعرف الله في السماء هو أم في الأرض فقد كفر لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا ومن يوهم ذلك فهو مشبه وسئل الإمام مالك رضي الله عنه عن الاستواء فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وسئل الإمام الشافعي رضي الله عنه عن ذلك فقال آمنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الامساك وسئل الإمام أحمد رضي الله عنه فقال استوى كما أخبر لا كما يخطر بقلب البشر فعلم بهذا أنه لا خلاف بين الأئمة الأربعة في ذلك ومن زعم أن بينهم اختلافا في ذلك فقد أعظم الفرية على أئمة الأمة وأساء بهم الظن نعوذ بالله من ذلك وكذلك يقولون في كل ما جاء من المتشابهات في كتاب أو سنة كقوله تعالى خلقت بيدي ولتصنع على عيني الله نور السماوات والأرض وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم على صورته كما مر وقوله إن الله يضحك لأوليائه حتى تبدو نواجده وغير ذلك مما يوهم التشبيه فنفوض الأمر لجميع ذلك إليه تعالى كما فوضوا ولا تشتغل بتآويله وتفاسيره لعدم تكليفنا به مع اعتقاد أنه تعالى ليس بجسم ولا شبيه بالمخلوقات وأن جميع علامات الحدوث ممتنعة عليه تعالى فإن قلت ما الحكمة في تنزيل المتشابهات قلنا نجعله مما تقدم والله أعلم بمراده وقيل ليعلم العالمون عجزهم وقصور أفهامهم عن معرفة جميع كلام ربهم كما قال تعالى وما يعلم تأويله إلا الله فيفوضون العلم بما لا يدركون معناه إليه تعالى والتفويض إليه تعالى كمال العبودية في العبد ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء كما قال بعض المحققين: والعجز عن درك الإدراك إدراك والبحث في سر ذات الله إشراك وقال بعضهم تفسير المتشابهات وتأويلها عبادة في العبد وتسليمها عبودية في العبد والعبودية فوق العبادة إذا العبودية الرضاء بما يفعل الرب والعبادة فعل ما يرضي الرب والرضاء فوق العمل حتى كان ترك الرضاء كفرا وترك العبادة فسقا والعبادة تسقط في الآخرة والعبودية لا تسقط في الدارين انتهى وأما على طريقة الخلف فإنهم يؤلون كل ما ورد من المتشابهات فيؤولون الاستواء بالاستيلاء واليد بالقدرة والقهر والضحك بالرضاء إلى غير ذلك وتوسط بعضهم وتابعه جماعة كالكمال بأن الهمام في المسايرة وفصل بين ما إذا دعت الحاجة إلى التأويل كدفع خلل يدخل في فهم وبين أن لا تدعو الحاجة وهذا كمال من الكمال والله أعلم بحقيقة الحال الإعراب رب مبتدأ مضاف إلى العرض والإضافة للتشريف كرب الكعبة وفوق منصوب على الظرفية في محل رفع خبر المبتدأ أي كائن
(٢٨)