غير الحادث تنبيها على اتحادهما وقصدا لجري الكلام على وفق الحديث حيث قال عليه السلام القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال إنه مخلوق فهو كافر بالله العظيم وتنصيصا على محل الخلاف بالعبارة المشهورة فيما بين الفريقين وهو أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق ولهذا نترجم المسألة بمسألة خلق القرآن وتحقيق الخلاف بيننا وبينهم يرجع إلى إثبات الكلام النفسي ونفيه وإلا فنحن لا نقول بقدم الألفاظ والحروف وهو لا يقولون بحدوث الكلام النفسي ودليلنا ما مر إن ثبت بالإجماع وتواتر النقل عن الأنبياء عليهم السلام أنه تعالى متكلم ولا معنى له سوى أنه متصف بالكلام ونمنع قيام اللفظي الحادث بذاته تعالى فتعين النفسي القديم وأما استدلالهم بأن القرآن متصف بما هو من صفات المخلوقين وسمات الحدوث من التأليف والنظم والانزال وكونه عربيا مسموعا فصيحا معجزا إلى غير ذلك فإنما يقوم حجة على هذه الحنابلة لا علينا لأنا قائلون بحدوث النظم وإنما الكلام في المعنى القديم والمعتزلة لما لم يمكنهم إنكار كونه تعالى متكلما ذهبوا إلى أنه متكلم بمعنى إيجاد الأصوات والحروف في محلها أو إيجاد أشكال الكتابة في اللوح المحفوظ وإن لم يقرأ على اختلاف بينهم وأنت خبير بأن المتحرك من قامت به الحركة لا من أوجدها وإلا لصح اتصاف الباري تعالى بالأعراض المخلوقة له تعالى عن ذلك علوا كبيرا انتهى وحاصله أنه اتفق المتكلمون على أنه تعالى متكلم للإجماع على أنه حي فلزم أن يتصف بالتكلم إذ لو لم يوصف به لوصف بضده وهو نقص في حقه تعالى عن ذلك علوا كبيرا والاختلاف إنما هو في معنى الكلام فعند أهل السنة أن كلامه تعالى قائم بذاته كسائر صفاته وليس بحرف ولا صوت ولا متبعض ولا متجز وعند المعتزلة محدث مخلوق ولم يكن تعالى متكلما به في الأزل مستمسكين بقوله تعالى حتى يسمع كلام الله والمسموع هو الألفاظ المركبة من الحروف فيكون مخلوقا ومعنى كونه متكلما أي موجد لهذه الحروف والأصوات وبقوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر والمنزل في وقت مخصوص يلزمه الحدوث والجواب إن المعنى حتى يسمع ما يدل على كلام الله وأنزلناه أي المقروء الدال على كلامه تعالى القديم وقرآنا معبرا عنه بالعربية المفهمة تقريبا للفهم عن كلامه القديم الذي ليس بحرف ولا صوت إذ الحروف والأصوات حادثان وذاته تعالى قديمة والقديم لا يقوم به الحادث فمن قال إن كلام الله تعالى القائم بذاته مخلوق حادث فقد كفر كما قدمنا ومن قال لا أدري أمخلوق أم غير مخلوق فهو أشر ممن قال إنه مخلوق كمن قال لا أعرف المؤمن خير أم الكافر ونقل شيخنا الحديث المتقدم عن الفردوسي مسندا من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق فمن قال غيرها فقد كفر وفي لفظ لأنس رضي الله عنه فاقتلوه وقال الفراء ابن جماعة روينا بالسند عن الربيع
(٢٦)