ومن الأمور التي لا يختلف فيها اثنان كون شخصيته (عليه السلام) ذات أبعاد متعددة وجوانب مختلفة ظاهرة كالشمس في رابعة النهار، إذا فهو الرائد الذي من أتى بعده فهو عيال عليه، منه أخذ وبه اقتدى.
وأما مدرسته التي انتهجها وسار عليها، فهي امتدادا لمدرسة جده المصطفى وأبيه المرتضى صلوات الله عليهم أجمعين، وهم الذين أسسوا قواعدها وشيدوا بناءها، ثم جاء من بعدهم الإمام الصادق (عليه السلام) فأسس مدرسته الكبرى في الكوفة بعد مدرسة المدينة المنورة حرم جده، وأرسى قواعدها يلقي فيها علومه على تلامذته وطلاب علومه، حتى بلغ عددهم ما ينيف على الأربعة آلاف طالب وراوي للحديث عنه.
قال الوشاء: دخلت مسجد الكوفة فوجدت تسعمائة شيخ، كل منهم يقول:
حدثني جعفر بن محمد (الصادق).
ولولا وجود شبح الإرهاب السياسي والإرعاب الفكري الضارب أطنابه حين ذاك على العالم الإسلامي لمنع الحديث رواية وتدوينا بصورة عامة، وعلى مدرسة أهل البيت ومن ينتمي إليها بصورة خاصة، لوجدت علم آل محمد (صلى الله عليه وآله) يشع نوره إلى عنان السماء، ويضيء وجه العالم كله.
لقد نشط أهل الحديث والمفسرون، ودونت المجاميع الحديثية، وتطورت الدراسات الفقهية وتركت آثارها وبصماتها على العلماء حتى نشأت المذاهب الفقهية المتعددة، ومع كل ذلك فهم يقرون بأعلمية الإمام الصادق (عليه السلام) ويذعنون لآرائه ومرجعيته.
وكان أبو حنيفة يقول: ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد الصادق، بعد أن سأله عن أربعين مسألة من المسائل المعقدة المختلفة فأجاب عنها كلها بيسر