وقد أمد الله تعالى الإخلاص في قلب الإمام الصادق بعدة عناصر غذته ونمته فآتى أكله.
أولها: ملازمته للعلم ورياضته نفسه وانصرافه للعبادة، وابتعاده عن كل مآرب الدنيا.
ولنترك الكلمة للإمام مالك بن أنس يصف حاله فيقول: كنت آتي جعفر ابن محمد، وكان كثير التبسم، فإذا ذكر عنده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اخضر واصفر، ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال: إما مصليا، وإما صائما، وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا على طهارة، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العباد الزهاد الذين يخشون الله.
وثانيها: الورع، ولكن ورعه لم يكن حرمانا مما أحل الله، فلم يكن تركا للحلال، بل كان طلب الحلال من غير إسراف ولا خيلاء، وقد أخذ بقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " كلوا واشربوا والبسوا في غير سرف ولا مخيلة ".
ولكنه مع طلبه الحلال كان يميل إلى الحسن من الثياب، وكان يحب أن يظهر أمام الناس بملبس حسن لكيلا تكون مراءاة فيما يفعل، فكان يخفي تقشفه تطهيرا لنفسه من كل رياء.
ولقد دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله الصادق فرأى عليه ثيابا حسنة لها منظر حسن، ويقول الثوري: فجعلت أنظر إليه متعجبا، فقال لي: يا ثوري، ما لك تنظر إلينا؟ لعلك تعجب مما رأيت؟!
قلت: يا ابن رسول الله، ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك.
فقال لي: يا ثوري، كان ذلك زمانا مقفرا مقترا، وكانوا يعملون على قدر إقفاره وإقتاره، وهذا زمان قد أقبل كل شيء فيه، ثم حسر عن ردن جبته،