من يكون في مثل أبي عبد الله الصادق الذي عمر الإيمان قلبه، وانصرف عن الأهواء والشهوات، واستولى عليه خوف الله وحده، ومن عمر الإيمان قلبه ومن لا يخش إلا الله فإنه لا يخاف أحدا من عباده، مهما تكن سطوتهم وقوتهم، وقد كان (رضي الله عنه) شجاعا في مواجهته من يدعون أنهم أتباع له، وهم مع ادعاء هذه التبعية الرفيعة يحرفون الكلم عن مواضعه، فهو لم ين عن تعريفهم الحق، وتصحيح أخطائهم وعن توجيههم حتى إذا لم يجد التوجيه والملام أعلن البراءة منهم وأرسل من يتحدثون باسمه ليعلنوا هذه البراءة.
وكذلك كان شجاعا أمام الأقوياء ذوي السلطان والجبروت، لا يمتنع عن تذكيرهم بالطغيان تعريضا أو تصريحا على حسب ما توجبه دعوة الحق من مراعاة مقتضى الحال، ويحكى أن المنصور سأله: لم خلق الله تعالى الذباب؟
وذلك عندما وقعت ذبابة على وجه المنصور عدة مرات، فأجاب الصادق معرضا بأهل الجبروت والطغيان: ليذل به الجبارين.
وقد كان هذا في لقائه للمنصور، وقد تقول عليه الذين يطوفون بالحكام الأقاويل، وإن هذه الإجابة في هذا اللقاء لأكبر دليل على ما كان يتحلى به من شجاعة، وإنه في هذا اللقاء لا يكتفي بذلك، بل ينصح المنصور قائلا له:
عليك بالحلم فإنه ركن العلم، واملك نفسك عند أسباب القدرة، فإنك إن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن يحب أن يذكر بالصول، واعلم أنك إن عاقبت مستحقا لم تكن غاية ما توصف به إلا العدل، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر.
ويروى أن بعض الولاة نال من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في خطبته، فوقف أبو عبد الله الصادق ورد قوله في شجاعة المحق المؤمن بالله وحده،