إلى فسادها، وقد أتى هذا العلم لإشراق روحه ولكثرة تجاربه ولالتزامه جادة الحق، مع اضطراب الدنيا في عهده، فقد ثقفته التجارب كما تثقف بالتقوى، وأرهفت حسه دراساته الإسلامية مع قوة الوجدان الديني وقوة استمساكه بالفضيلة، مما رآه من تفشي الرذيلة للمجتمعات، وهكذا النفس المشرقة المؤمنة لا يزيدها شيوع الرذيلة إلا استمساكا بالحق، ولذلك نطق بالحق.
ولننقل لك وصيته لابنه موسى، فهي خلاصة تجارب نفس مؤمنة مستمسكة تمرست بالحياة وعلمت ما فيها، فقد جاء في حلية الأولياء ما نصه:
حدث بعض أصحاب جعفر بن محمد الصادق، قال: دخلت على جعفر وموسى بين يديه وهو يوصيه، فكان مما حفظت منها أن قال:
يا بني اقبل وصيتي، واحفظ مقالتي، فإنك إن حفظتها تعيش سعيدا، وتموت حميدا.
يا بني، من رضي بما قسمه الله له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا، ومن لم يرض بما قسمه الله اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره.
يا بني: من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها، ومن داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم.
يا بني، إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك.
يا بني، قل الحق لك أو عليك، يا بني، كن لكتاب الله تاليا، وللسلام فاشيا، وبالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، ولمن قطعك واصلا، ولمن سكت عنك مبتدئا،