وعن أبي عمرو الشيباني، قال: رأيت أبا عبد الله وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ يعمل في حائط له، والعرق ينصاب عن ظهره، فقلت: جعلت فداك، أعطني أكفك، " فقال لي: إني أحب أن يتأذى الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة ".
ويدبر الإمام (عليه السلام) أمر معاشه بحكمة وروية ويضع للتجارة نظاما ماليا دقيقا يضمن به سلامة ماله من الخسارة والتلف، والكسب الحلال، فقد حدث ولده الإمام الكاظم (عليه السلام) قائلا: إن رجلا أتى جعفرا صلوات الله عليه شبيها بالمستنصح، فقال له: يا أبا عبد الله، كيف صرت اتخذت الأموال قطعا متفرقة، ولو كانت في موضع واحد كان أيسر لمؤونتها وأعظم لمنفعتها.
فقال له الإمام: اتخذتها متفرقة، فإن أصاب هذا المال شيء يسلم هذا، والصرة تجمع هذا كله.
فعندما يكون المال مجتمعا في موضع واحد يكون بمجموعه مهددا بالتلف بتعريضه لنائبة طبيعية طارئة، أو تجاوز مشبوه.
أما عندما يكون متفرقا فإن سلامة البعض تبقى مضمونة عندما يتعرض البعض الآخر منه للنوائب أو التجاوزات، وهو أمر لم يكن ليدرك الناصح حكمته فيما أشار به على الإمام (عليه السلام).
ومن أروع ما وردنا عن الإمام الصادق (عليه السلام) في مجالات الكسب الحلال والعمل الصالح ما حدث به أبو جعفر الفزاري، قال:
دعا أبو عبد الله (عليه السلام) مولى له يقال له مصادف فأعطاه ألف دينار، وقال له:
تجهز حتى تخرج إلى مصر، فلما دنوا من مصر استقبلهم قافلة خارجة من مصر، فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة، وكان متاع العامة، فأخبروهم أن ليس بمصر منه شيء، فتحالفوا وتعاقدوا أن لا ينقصوا متاعهم من ربح،