وربما تدفع هذه الثمرة: بأنه لا بد من الحكم بفساد تلك العبادة على القول بعدم وجوب المقدمة أيضا لأجل عدم الأمر بفعلها، إذ لا يعقل الأمر بشيء مع الأمر بما ليس للمكلف بد من تركه، فتأثير الفساد مستند إلى عدم الأمر لا إلى النهي.
لكن هذا الدفع غير مرضي عندنا، وسيجئ توضيح ضعفه في محله إن شاء الله تعالى.
وإذا عرفت تلك المقدمات كلها فلنشرع في أصل المسألة، وقبل التعرض لذكر الأقوال فيها وحججها ينبغي التعرض لأن في المسألة أصلا يقتضي وجوب المقدمة أو عدمه، كي يعول عليه عند الشك وعدم دليل على أحد الطرفين، أولا.
قد قيل - أو يقال - بالأول، وأنه مقتض لعدم وجوبها.
لكن يتجه عليه: أنه إن كان المراد بالأصل المقتضي لعدم الوجوب هو أصالة البراءة ففيه: أن شأنها إنما هو نفي العقاب على مشكوك الحرمة أو الوجوب، ولا ريب أنه لا تكليف بالمقدمة يستتبع عقابا على القول بوجوبها أيضا، لما عرفت سابقا من عدم استحقاق العقاب على مخالفة الواجب الغيري، فاحتمال العقاب على المقدمة منفي على القول بوجوب المقدمة أيضا.
نعم ترك المقدمة بعد العلم بمقدميتها وإن كان سببا للعقاب لإفضائه إلى ترك الواجب النفسي، لكن هذا العقاب إنما هو على ترك ذي المقدمة، لا على تركها، وإنما تركها سبب له، والسببية لازمة للمقدمية لا لوجوبها، فإن ترك المقدمة على القول بعدم وجوبها أيضا سبب للعقاب على نحو ما عرفت.
وبالجملة: النزاع في وجوب المقدمة وعدمه إنما هو بعد إحراز المقدمية، وبعد إحرازها لا خلاف لأحد في كون ترك المقدمة سببا للعقاب، وإنما الخلاف في وجوبها، فلا يعقل إجراء أصالة البراءة عن ذلك العقاب المسبب عن ترك المقدمة أيضا لمعلومية الاستحقاق له.