وبالجملة: اللام هنا غاية للأمر، فيكون مدخولها نفس المأمور به كما في نظائره من الآيات ومن الأمثلة العرفية، كما يقال: أؤمر عبدك ليفعل كذا، أو أمرتك لتفعل كذا، ونظيره في الفارسية قولهم: بفرما تا آب بياورند، حيث إن الإتيان بالماء نفس المأمور به.
لا يقال: إن الاستدلال ليس مبنيا على جعل اللام غاية للمأمور به بل يتم على تقدير كونها غاية للأمر أيضا، فإن معنى الآية على هذا التقدير: أنه ما امر أهل الكتاب إلا بالعبادة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فتدل الآية على أنه لم يتوجه إليهم من الله تعالى أمر إلا بالعبادة، فيكون كل ما أمروا به مأمورا به بعنوان كونه عبادة، ويكون عطف يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة عليه من عطف الخاص على العام، ويكون النكتة في تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر من أفراد العام التنبيه على أنهما عمدتها، كما ورد بذلك الأخبار أيضا، فيتم المطلوب.
لأنا نقول: إن كون ذلك من عطف الخاص على العام إنما يصح بعد التنبيه على اعتبار قصد الامتثال في المعطوف أيضا ليعلم فرديته للعام، ومن المعلوم أنه لا دلالة في الآية على كيفية الصلاة والزكاة من جهة قصد الامتثال، وإنما المستفاد منها وجوب الإتيان بأنفسهما مع السكوت عن كيفيتهما، فيكونان مع ذلك أجنبيين عن المعطوف عليه، فتأمل.
هذا كله مضافا إلى منع دلالة الآية على اعتبار التعبد والامتثال على وجه القيدية فيما امر به أهل الكتاب على تسليم كون اللام لغاية المأمور به، فإن غاية ما يدل عليه حينئذ: أن كل ما أمروا به يكون الغاية المقصودة منه هي العبادة والامتثال، ومن الواضح أن غائية شيء لشيء على وجهين:
أحدهما - أن يكون الغاية حقيقة نفس ذلك الشيء، ويكون المطلوب من الأمر بذي الغاية تحصيل نفس ذلك الشيء، كما في الطهارة بالنسبة إلى الوضوء والغسل.