وبعبارة أخرى: إن الوجود المتصف بالتأخر أو الانقضاء شرط، لا الوجود المطلق حتى يصدق عدمه الآن.
وبالجملة: صفة التأخر والانقضاء جزء من الشروط، ولها دخل في وجوده، ولا ريب أن هذا الوجود المقيد بإحدى هاتين الصفتين موجود في محله الآن، ويصدق حقيقة أن الشخص الآن واجد للوجود المتأخر أو المتقدم، ولو لا ذلك لزم رفع اليد عن أغلب الشروط، فإن أغلبها من الأمور المقيدة بالتأخر أو الانقضاء، كاستمرار الاستطاعة الذي هو شرط لوجوب الحج، فإنه مأخوذ في معنى الاستمرار الوجود المتأخر.
وكيف كان، فلا شبهة في جواز كون وجود شيء في المستقبل منشأ لوجود سابق عليه بأن يكون موجبا لحصول مصلحة في الآن تقتضي هي الحكم المعلق على ذلك الشيء، كما لو قال: اقتل من يقتلك غدا، وأنت تعلم أن عمرا لو بقي إلى الغد لقتلك فإن القتل الصادر منه غدا يقتضي مصلحة داعية إلى قتلك إياه الآن، وإنما وقع الإشكال في التوقف بينه وبين ما برهن عليه في محله من امتناع تأخر الشرط عن المشروط والتفكيك بين العلة والمعلول. وأحسن الأجوبة عنه ما عرفت.
فإن شئت قلت: إن الشرط والمشروط فيما نحن فيه مجتمعان في الوجود الدهري ومتقارنان فيه، والذي يمنع منه العقل إنما هو الانفكاك حتى في الوجود الدهري لا مطلقا.
والحاصل: أنه إذا كان الشرط من الأمور الزمانية - أي المتقيدة بالزمان - فيكفي تقارنه مع المشروط في عالم الدهر، وأما في عالم الزمان فلا يجب، بل لا يعقل، فإنه إذا كان الشرط هو الأمر المتقيد بالزمان الماضي أو المستقبل فكيف يعقل تأخره مع ذلك القيد أو تقدمه معه؟ وبالجملة: إذا اعتبر الشرط على نهج خاص وصفة خاصة - من التقدم