هو الرجوع إلى الفطرة. فمن أمعن النظر وتأمل في الأحاديث التي أحصي فيها مكارم الأخلاق ، يقطع بأنها إنما تتحصل وتتجلى لمن لا حجاب بينه وبين فطرته كالأنبياء والأولياء عليهم السلام، فهم المتخلقون بمكارم الأخلاق، المخصوصون بها، لأنهم ائتمروا بأمره تعالى، فأقاموا وجوههم للدين أي الفطرة، حنفاء لله غير مشركين به.
وبعد هذه المقدمة الوجيزة، نلفت أنظار القراء الكرام إلى حديث، هو في الحقيقة أول مجلس يبحث فيه عن الأخلاق من لدن عليم حكيم، من المعلم الأول، العلي الاعلى، ذاك هو الله تبارك وتعالى، للمتعلم الأول، قطب رحى الوجود، وأول ما صدر عن ذي الجود، الحائز للمقام المحمود، والواصل لدرجة الشهود، ذي الخلق العظيم، والعقل الكامل السليم، سيد المرسلين، والمبعوث رحمة للعالمين، أبي القاسم المصطفى محمد صلى الله عليه وآله.
وإن وقعت لغيره صلوات الله عليهم من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام أيضا تكليمات وجرت بينهم وبين رب العالمين مكالمات، إلا أنهم عليهم السلام لم يكونوا بمثابته صلى الله عليه وآله ولم يصلوا إلى منزلته. فإنه بالزيادة عليهم في تلك المكالمات كما وكيفا لجدير وكفى به عزا وشرفا. كيف! وهو خاتم النبيين، وكان نبيا وآدم بين الماء والطين، اجتباه ربه لنفسه واصطفاه، ثم دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى دنوا واقترابا من العلي الاعلى.
ثم إن هذا الحديث الشريف، أعني حديث المعراج يشتمل على ثلاثة أمور مهمة:
الأول: هداية السالك إلى الأمور التي ينبغي التمسك والالتزام بها، أو التي يلزم التحرز والاجتناب عنها للوصول إلى المقصد الأصلي، أعني رفع الحجاب عن الفطرة.
الثاني: الحث والترغيب على العمل بالامر الأول.
الثالث: التوجه والالتفات إلى المقصد في جميع الشؤون ومراحل السلوك، والتذكر لنتائجه.
وقد نقل أصل الحديث أبو محمد الحسين بن أبي الحسن بن محمد الديلمي رحمه