عقائدهم وضمائرهم، وانتفت مخالجة الشك عن قلوبهم وسرائرهم، وصار عامة الناس عن إدراكها عاجزين، وعن رؤيتها محجوبين، فعمت بصائر قلوبهم من سحاب الارتياب، وحوتها أغشية المرية والحجاب، فلا ينتفعون من إشارات الكتب السماوية وبيانات السفراء الإلهية ولا سيما الكتاب المصدق والنبي المكرم صلى الله عليه وآله، وآله المطهرين عليهم السلام، بل وقد ضل فريق منهم ضلالا بعيدا، فأنكر كل ما لم يره بعينه ولم يسمعه باذنه.
والسر في ذلك أن الحجب المادية التي تكون من لوازم هذه النشأة قد أغفلت الناس عن جوهر وجودهم وحقيقة فطرتهم، فنسوا الله فأنساهم أنفسهم.
ولكن مع ذلك كله، لما كتب تعالى على نفسه الرحمة، وفق بعض عباده اللائقين في كل عصر وبرهة للتوجه إلى حقيقة الفطرة، فعرفوا بعناية من الله تعالى أسرار الكتاب والسنة وكلمات الأئمة والأولياء عليهم السلام، ثم علموها من كان سالكا في طريق العبودية حتى لا يموت بموتهم العلوم الإلهية ولا يبقى الطالبون في التيه والضلالة، بل يقدموا في ضوء هدايتهم على إصلاح نفوسهم، فتنكشف الحقيقة عليهم أولا من طريق الفطرة، ثم يعرضوا ما وجدوه على الكتاب والسنة، ويشتغلوا بارشاد طالبي الهداية، وبذلك يتحقق الغرض من الخلقة، وهي العبودية عن معرفة وبصيرة، قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس، إلا ليعبدون﴾ (1)، كما أن به يتم الحجة على جميع العباد، ولا سيما أهل الجحد والعناد.
وقد من الله تعالى على عباده في أعصارنا هذه بالحجتين البالغتين والعلمين الهاديين: أحدهما صاحب العلم والعمل، جامع المعقول والمنقول، العارف بالله، محبوب الله ومحبوب أوليائه، محيي الشريعة والملة، باني الولاية والحكومة الاسلامية في إيران بعد أن سلبها الحكام الظلمة من أيدي أهلها قرونا متمادية، آية الله