ولما كانت الفطرة كما مر آنفا، هي الطينة العجين بها خلق الانسان، أكد قوله:
(لا تبديل لخلق الله) بقوله: (ذلك الدين القيم) اي لا يفارق الدين الفطرة، بل من رجع إلى فطرته، هو الذي أقام وجهه نحو الدين، ومن غفل عن فطرته ولم يتبع المتابعين للفطرة من الأنبياء والأولياء عليهم السلام، فقد أدبر عن الدين ولم يلتفت إليه بوجه.
ولعل قوله تعالى في ذيل الكريمة: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) تعريض لمن غفل عن حقيقة فطرته ولم يقم وجهه إليها، بل ولم يتفطن، لما يستفاد من ظاهر الآية الشريفة وما ورد في تفسيرها عن العترة الطاهرة عليهم السلام.
وكيف كان، فلا ينبغي الريب في أن الأخلاق الحقيقية إنما تحصل بالرجوع إلى الفطرة، إذ المحجوب بحجب التعلقات المادية، إذا أبصر بقلبه وارتفعت عنه تلك الحجب بالعلم النافع والعمل الصالح، ورجع إلى فطرته الأصلية، لا يتيسر له بعد ذلك أن يعمل خلاف ما رجع إليه، أعني الفطرة. والمفروض أنه مفطور على التوحيد. فلا محيص له حينئذ عن التخلق بالأخلاق الإلهية.
ولا يخفى أن المراد بمكارم الأخلاق في مثل قول الصادق عليه السلام: (ان الله خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم فان كانت فيكم، فاحمدوا الله عز وجل) (1) الحديث، وقول أبي الحسن موسى عليه السلام:
(خص رسله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم.) (2)، وقوله صلى الله عليه وآله في الحديث المعروف: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.) (3) وقوله صلى الله عليه وآله:
(عليكم بمكارم الأخلاق! فإن ربي بعثني بها.) (4) وما يشابهها من الروايات أيضا