[الفصل 15] يا أحمد! إن أهل الآخرة رقيقة وجوههم، كثير حياؤهم، قليل حمقهم، كثير نفعهم، قليل مكرهم، الناس منهم في راحة، وأنفسهم منهم في تعب، كلامهم موزون، محاسبين لأنفسهم متعبين لها، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، أعينهم باكية، وقلوبهم ذاكرة، وإذا كتب الناس من الغافلين، كتبوا من الذاكرين، في أول النعمة يحمدون، وفي آخرها يشكرون، دعاؤهم عند الله مرفوع، وكلامهم عنده مسموع، تفرح بهم الملائكة، يدور دعاؤهم تحت الحجب، يحب الرب أن يسمع كلامهم، كما تحب الوالدة ولدها، لا يشغلهم عن الله شئ طرفة عين، ولا يريدون كثرة الطعام ولا كثرة الكلام ولا كثرة اللباس، الناس عندهم موتى، والله عندهم حي كريم لا يموت، يدعون المدبرين كرما، ويزيدون المقبلين تلطفا، قد صارت الدنيا والآخرة عندهم واحدة، يموت الناس مرة، ويموت أحدهم في كل يوم سبعين مرة من مجاهدة أنفسهم وهواهم والشيطان الذي يجري في عروقهم، لو تحركت ريح لزعزعته، وإن قام بين يدي فكأنه بنيان مرصوص، لا أرى في قلبه شغلا بمخلوق.
(١٧)