الحسنات وترك السيئات، بل حقيقة الأخلاق هي فعلية مقتضى الفطرة الإلهية في الانسان. ولا تحصل هذه الفعلية إلا بممارسة العلم النافع ومداومة العمل الصالح، وأما أحدهما بدون الآخر، فلا يكون منتجا لها، فحقيقة الأخلاق إنما هي النتيجة الحاصلة من رجوع الانسان إلى فطرة التوحيد.
ولما كان الفطرة في الحقيقة منشأ للأخلاق وأصلا لها، أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله في كتابه بالتوجه لها بقوله: (فأقم وجهك للدين حنيفا) (١)، حتى نتوجه بقلوبنا وتمام وجودنا إلى الدين، إذ المراد بالكريمة هو ذلك، وليس المراد إقامة الوجه صورة وظاهرا. ثم عقب هذا البيان بقوله تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) (٢)، فانكشف بذلك أن المراد بالدين في صدر الكريمة هي الفطرة، وهذه هي التي أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله بالتوجه إليها. ومن المعلوم أن الامر لا يختص به صلى الله عليه وآله، بل يشمل الأوصياء عليه السلام وكل من تبعهم.
فالمراد من الدين، هي الطينة المخمور بها خلق الانسان، وليس معناه ظاهر الشرع المبين فحسب، وإن كان الظاهر مطابقا لتلك الطينة أيضا، وليست هذه الطينة التي بها خمر خلق الانسان إلا التوحيد والمعرفة كما يستفاد ذلك من قول الصادق عليه السلام في ذيل كلامه تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) (٣) حيث قال عليه السلام:
فطرهم على التوحيد، (٤) وكذا قول أبي جعفر عليه السلام جوابا لسؤال زرارة حيث قال:
سألته عليه السلام عن قول الله عز وجل: ﴿حنفاء لله غير مشركين به﴾ (5) وعن الحنفية فقال عليه السلام: (هي الفطرة التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله. قال: فطرهم على المعرفة.) (6)