في الجنة ونظيري في منازلي، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: ان ذلك متى أبا يونس.
قال: فاستأذن الله في زيارته فأذن له، فخرج هو وسليمان ابنه، حتى أتيا موضعه، فإذا هما ببيت من سعف، فقيل لهما: هو في السوق، فسألا عنه فقيل لهما:
اطلباه في الحطابين، فسألا عنه، فقال لهما: جماعة من الناس: نحن ننتظره الآن يجيء فجلسا ينتظرانه. إذ اقبل وعلى رأسه وقر من حطب، فقام إليه الناس، فألقى عنه الحطب فحمد الله وقال: من يشتري طيبا بطيب؟ فساومه واحد وزاد بآخر، حتى باعه من بعضهم.
قال: فسلما عليه، فقال: انطلقا بنا إلى المنزل، واشترى طعاما بما كان معه ثم طحنه وعجنه، ثم أجج نارا وأوقدها، ثم جعل العجين في تلك النار، وجلس معهما يتحدث، ثم قام وقد نضجت خبيزته فوضعها في الإجانة وفلقها وذر عليها ملحا ووضع إلى جنبه مطهرة ماء وجلس على ركبتيه وأخذ لقمة، فلما وضعها إلى فيه قال: بسم الله، فلما ازدردها قال الحمد لله، ثم فعل ذلك بأخرى، ثم اخذ الماء فشرب منه فذكر اسم الله، فلما وضعه قال: الحمد لله، يا رب من ذا الذي أنعمت عليه ما أوليته مثل ما أوليتني، قد صححت بصري وسمعي وبدني وقويتني حتى ذهبت إلى شجر لم أغرسه ولم اهتم لحفظه، جعلته لي رزقا وسقت إلي من اشتراه مني، فاشتريت بثمنه طعاما لم أزرعه، وسخرت لي النار فأنضجته، وجعلتني آكله بشهوة أقوى به على طاعتك فلك الحمد.
قال ثم بكى، قال داود عليه السلام: يا بنى قم فانصرف بنا، فاني لم أر عبدا قط أشكر من هذا. صلى الله عليه وعليهما.
أقول: نقل المفسرون: ان السفينة التي ركب فيها يونس (ع) احتبست فقال الملاحون: ان هاهنا عبدا آبقا، فان من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري فلذلك اقترعوا، فوقعت القرعة على يونس (ع) ثلاث مرات، فعلموا انه المطلوب، فألقى نفسه في البحر. فأوحى الله إلى الحوت: اني لم اجعل عبدي رزقا لك، ولكني جعلت بطنك له مسجدا، فلا تكسرن له عظما ولا تخدشن له جلدا.