ولعل الله سبحانه وتعالى لما سبق في علمه ما يجري عليه حال علي عليه السلام من كثرة الباغضين والمعاندين، وما يبلغون إليه من مساواته بمن لا يجري مجراه، كساه الله من حلل الأنوار وجليل المنار ما يبلغ به إلى غاية تقوم بها الحجة البالغة لله سبحانه وتعالى على الخلائق، ولا يبقى لهم عذر يعتذرون به في ولاية وليه عليه السلام.
وقد جعل الناس في كلامه عليه السلام ثلاث مراتب:
قوم أفرطوا في حبه فهلكوا وهم النصيرية، لكنهم يعتقدون أنه إله يحيي ويميت ويمنع ويرزق، لما عاينوا من أفعاله الباهرة التي يريد الله تعالى بها أنبياءه وأوصياء أنبيائه ليصح بها صدق دعواهم في النبوة والخلافة، فلما أهملوا وظيفة النظر في الدليل هلكوا، حيث شبهوا الصانع بالمصنوع والرب بالمربوب.
وقوم أفرطوا في بغضهم حتى نصبوا له العداوة وحاربوه ودفعوه عن مقامه الذي نصبه الله تعالى فيه ونبه عليه بالآيات في كتابه ونص عليه الرسول في مواضع لا تحصى كثرة، فأفرطوا في بغضه حتى كتموا من النصوص ما قدروا عليه وتوعدوا الناس على نشر مناقبه وسبوه على المنابر وأخذوه ملببا - وفي حديث آخر ترك في عنق علي حبلا أسودا - وقادوه كما يقاد الجمل وأضرموا النار ببيته وسفكوا دماء ذريته الطاهرة.
وقوم مقتصدة بين أولئك، جعلت عليا عليه السلام إماما ولم تتعد به ما جعل الله له.
ومعلوم أن المتميز من الأمة قليل والعمى فيها كثير، وعلى ذلك مضى جمهورها.