قال: فأمر به الحجاج فأطلق من قيده، وكساه وأحسن إليه وألحقه بعطائه.
قال: ثم قدمت إليه امرأة من نساء الخوارج وكانت من المتكلمات يقال لها أم علقمة، فقال لها الحجاج: يا عدوة الله! الحمد لله الذي قتل أباك وأخاك وزوجك، فقالت: نعم الحمد لله الذي قدمهم إلى الجنة وأخرني بعدهم، وقد علمت أنه لم يؤخرني إلا لذنب عظيم قد أتيته. فقال الحجاج: لأفعلن بك ولأفلعن! فقالت: ويلك يا حجاج! علي تبرق وترعد! والله لقد خفت الله خوفا جعلك في عيني أصغر من الذباب. قال: وجعلت أم علقمة تكلم الحجاج وهي منكسة الرأس، فقال لها الحجاج: ارفعي رأسك وانظري إلي، فقالت: إني لأكره أن أنظر إلى من لا ينظر الله إليه. قال: فأمر الحجاج بقتلها فكانت السيوف تأخذها وهي تقول: لا حكم إلا لله، حتى بردت.
قال: وكان آخر من قدم إليه رجل من هؤلاء الخوارج له شاهد وسمت وطلل، فلما هم الحجاج بقتله سمع ضجة بالباب، فقال لحاجبه: ما هذه الضجة؟ فقال:
نسوة بالباب يسألن (1) الاذن على الأمير، فقال الحجاج: ائذن لهم بالدخول، فدخلن وهن ثلاث وعشرون امرأة، كلهن أهل بيت هذا الخارجي الذي هم الحجاج بقتله، فقال لهن الحجاج: ما حاجتكم؟ فتقدمت امرأة منهن فقالت: أصلح الله الأمير! إن رأيت أن تتفضل باستماع ما أقول! فقال الحجاج: قولي ما أحببت، فأنشأت وجعلت تقول:
أحجاج لو (2) تشهد مقام بناته * وعماته يندبه الليل أجمعا أحجاج إما (3) أن تمن بتركه * علينا وإما أن تقتلنا معا أحجاج لم (4) تضجع له ونسائه * ثمانا وتسعا واثنتين وأربعا فمن رجل دان يقوم مقامه (5) * علينا فمهلا لا تزدنا تضعضعا