أصحابه وسار إلى الطالقان، بها يومئذ من صعاليك الترك فحاربهم قتيبة يوما واحدا فظفر بهم، فقتل منهم جماعة وصلبهم، ثم استعمل على من بقي منهم أخاه عمرو بن مسلم، وسار يريد الفارياب، فلما دنا منها تلقاه ملكها مذعنا مقرا له بالسمع والطاعة، فلم يهيجه قتيبة ولم يؤذن ورده إلى بلده مكرما (1)، ثم سار منها إلى الجوزجان، فتلقاه أهلها سامعين مطيعين، وهرب ملكها إلى الجبل، فلم يطلبه قتيبة ولم يؤذ أحدا من أهل الجوزجان، غير أنه استعمل عليها عامر بن مالك الجماني (2) أحد بني تميم وهم أن يسير إلى غيرها فجاء إليه ملك الجوزجان سامعا مطيعا فصالحه قتيبة عن أرضه. قال: فمضى ملك الجوزجان إلى بلاده فشد عليه رجل من أصحابه فقتله، وبلغ ذلك قتيبة فطلب ذلك الرجل حتى وقع في يده، فأخذه قتيبة فطلاه بالنفط ثم صلبه وأحرقه بالنار. قال: وجعل قتيبة يقتل ويأمر وينهب حتى أذل الترك إذلالا ما أذلهم أحد قبله مثله قط، فأنشأ نهار بن توسعة في ذلك يقول:
أرك الله في الأتراك حكما * كحكم في قريظة والنضير قضاء من قتيبة غير جور * به يشفي الغليل من الصدور (3) قال: ثم جمع قتيبة من كان في يده من أسارى الترك، فكانوا نيفا على ثمانين رجلا من سادات الترك وملوكهم، فكبلهم بالحديد واستوثق منهم بالاغلال، ووجه بهم إلى الحجاج مع أموال كانت عنده من أموال الخمس، فأنشأ حاجب بن ذبيان المازني يقول أبياتا مطلعها:
كم من كمي تركت مجندلا * شلوا طريحا للذئب والرخم إلى آخرها.
قال: ثم رجع قتيبة إلى مرو فنزلها وأرسل إلى امرأة نيزك البرقشي فخطبها ليتزوج بها، فأرسلت إليه: أيها الأمير! إنك لست بخليفة ولا أنت الحجاج، إنما أنت أمير من أمراء خراسان مثل يزيد بن المهلب وغيره، وقد قتلت زوجي وولدي