قال له علي: ويلك وما فعل عثمان، رأيتني عائذا بالله من شر ما تقول، والله إن الذي فعل عثمان لمخزاة على من لا دين له، ولا حجة معه، فكيف وأنا على بينة من ربي، والحق معي، والله إن امرأ أمكن عدوه من نفسه، فنهش عظمه، وسفك دمه، لعظيم عجزه، ضعيف قلبه. أنت يا بن قيس فكن ذلك، فأما أنا فوالله دون أن أعطى ذلك ضرب بالمشرفي (1)، يطير له فراش (2) الرأس، وتطيح منه الأكف والمعاصم، وتجد به الغلاصم (3) ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء. والله يا أهل العراق، ما أظن هؤلاء القوم من أهل الشام إلا ظاهرين عليكم، فقالوا: أبعلم تقول ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: نعم، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إني أرى أمورهم قد علت، وأرى أموركم قد خبت (4)، وأراهم جادين في باطلهم، وأراكم وانين في حقكم، وأراهم مجتمعين، وأراكم متفرقين، وأراهم لصاحبهم معاوية مطيعين، وأراكم لي عاصين. أما والله لئن ظهروا عليكم بعدي لتجدنهم أرباب سوء، كأنهم والله عن قريب قد شاركوكم في بلادكم، وحملوا إلى بلادهم منكم، وكأني أنظر إليكم تكشون كشيش (5) الضباب، لا تأخذون لله حقا، ولا تمنعون له حرمة، وكأني أنظر إليهم يقتلون صلحاءكم، ويخيفون علماءكم، وكأني أنظر إليكم يحرمونكم ويحجبونكم، ويدينون الناس دونكم، فلو قد رأيتم الحرمان، ولقيتم الذل والهوان، ووقع السيف ونزل الخوف، لندمتم وتحسرتم على تفريطكم في جهاد عدوكم، وتذكرتم ما أنتم فيه من الخفض والعافية، حين لا ينفعكم التذكار.
فقال الناس: قد علمنا يا أمير المؤمنين أن قولك كله وجميع لفظك يكون حقا، أترى معاوية يكون علينا أميرا؟ فقال: لا تكرهون إمرة معاوية، فإن إمرته سلم وعافية، فلو قد مات رأيتم الرؤوس تندر عن كهولها كأنها الحنظل (6)، وعدا كان مفعولا، فأما إمرة معاوية فلست أخاف عليكم شرها، ما بعدها أدهى وأمر.
كلام أبي أيوب الأنصاري ثم قام أبو أيوب الأنصاري، فقال: إن أمير المؤمنين أكرمه الله قد أسمع من كانت له أذن واعية، وقلب حفيظ، إن الله قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها حق قبولها، حيث نزل