إن الله هدى أولكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وكانت لي في رقابكم بيعة، تحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت، وقد سالمت معاوية، وبايعته فبايعوه وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين، وأشار إلى معاوية.
إنكار سليمان بن صرد قال: وذكروا أنه لما تمت البيعة لمعاوية بالعراق، وانصرف راجعا إلى الشام، أتاه سليمان بن صرد، وكان غائبا عن الكوفة، وكان سيد أهل العراق ورأسهم. فدخل على الحسن، فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال الحسن: وعليك السلام، اجلس. لله أبوك، قال:
فجلس سليمان، فقال: أما بعد، فإن تعجبنا لا ينقضي من بيعتك معاوية ومعك مئة ألف مقاتل من أهل العراق، وكلهم يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم ومواليهم، سوى شيعتك من أهل البصرة وأهل الحجاز، ثم لم تأخذ لنفسك ثقة في العهد، ولا حظا من القضية، فلو كنت إذ فعلت ما فعلت، وأعطاك ما أعطاك بينك وبينه من العهد والميثاق، كنت كتبت عليك بذلك كتابا، وأشهدت عليه شهودا من أهل المشرق والمغرب إن هذا الأمر لك من بعده، كان الأمر علينا أيسر، ولكنه أعطاك هذا فرضيت به من قوله، ثم قال: وزعم على رؤوس الناس ما قد سمعت، إني كنت شرطت لقوم شروطا، ووعدتهم عدات، ومنيتهم أماني، إرادة إطفاء نار الحرب، ومداراة لهذه الفتنة، إذ جمع الله لنا كلمتنا وألفتنا، فإن كل ما هنالك نحت قدمي هاتين، ووالله ما عنى بذلك إلا نقض ما بينك وبينه، فأعد للحرب خدعة، واذن لي أشخص إلى الكوفة، فأخرج عامله منها، وأظهر فيها خلعه، وانبذ إليه على سواء إن الله لا يهدي كيد الخائنين. ثم سكت. فتكلم كل من حضر مجلسه بمثل مقاتله، وكلهم يقول: ابعث سليمان بن صرد، وابعثنا معه، ثم ألحقنا إذا علمت أنا قد أشخصنا عامله، وأظهرنا خلعه. فتكلم الحسن، فحمد الله، ثم قال: أما بعد، فإنكم شيعتنا وأهل مودتنا، ومن نعرفه بالنصيحة والصحبة والاستقامة لنا، وقد فهمت ما ذكرتم ولو كنت بالحزم في أمر الدنيا وللدنيا أعمل وأنصب، ما كان معاوية بأبأس مني بأسا، وأشد شكيمة، ولكان رأيي غير ما رأيتم، ولكني أشهد الله وإياكم أني لم أرد بما رأيتم إلا حقن دمائكم، وإصلاح ذات بينكم، فاتقوا الله وارضوا بقضاء الله، وسلموا لأمر الله، والزموا بيوتكم، وكفوا أيديكم، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر، مع أن أبي كان يحدثني أن معاوية سيلي الأمر، فوالله لو سرنا إليه بالجبال والشجر، ما شككت أنه سيظهر، إن الله لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، وأما قولك: يا مذل