فقاموا من عنده، فخرج عبد الرحمن إلى المسجد، فجمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني نظرت في أمر الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعل يا علي سبيلا إلى نفسك، فإنه السيف لا غير. ثم أخذ بيد عثمان فبايعه وبايع الناس جميعا، قال فكان عثمان رضي الله عنه ست سنين في ولايته، وهو أحب إلى الناس من عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان عمر رجلا شديدا قد ضيق على قريش أنفاسها، لم ينل أحد معه من الدنيا شيئا إعظاما له وإجلالا، وتأسيا به واقتداء، فلما وليهم عثمان ولي رجل لين.
قال الحسن البصري: شهدت عثمان وهو يخطب وأنا يومئذ قد راهقت الحلم، فما رأيت قط ذكرا ولا أنثى أصبح وجها ولا أحسن نضرة منه. فسمعته يقول: أيها الناس. اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافية، أيها الناس اغدوا على كسوتكم، فيغدون فيجاء بالحلل فتقسم بينهم، حتى والله سمعت أذناي: يا معشر المسلمين اغدوا على السمن والعسل فيغدون فيقسم بينهم السمن والعسل، ثم يقول: يا معشر المسلمين اغدوا على الطيب، فيغدون فيقسم بينهم الطيب من المسك والعنبر وغيره، والعدوان والله منفي والأعطيات دارة والخير كثير، وما على الأرض مؤمن يخاف مؤمنا، من لقى في أي البلدان فهو أخوه وأليفه، وناصره ومؤدبه فلم يزل المال متوفرا، حتى لقد بيعت الجارية بوزنها ورقا، وبيع الفرس بعشرة آلاف دينارا وبيع البعير بألف، والنخلة الواحدة بألف. ثم أنكر الناس على عثمان أشياء أشرا وبطرا.
قال ابن عمر: لقد عيبت عليه أشياء لو فعلها عمر ما عيبت عليه.
ذكر الإنكار على عثمان رضي الله عنه قال عبد الله بن مسلم: حدثنا ابن أبي مريم وابن عفير قالا: حدثنا ابن عون، قال: أخبرنا المخول بن إبراهيم وأبو حمزة الثمالي وبعضهم يزيد على بعض والمعنى واحد، فجمعته وألفته على قولهم، ومعنى ما أرادوا عن علي بن الحسين، قال: لما أنكر الناس على عثمان بن عفان صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن لكل شئ آفة، ولكل نعمة عاهة، وإن آفة هذا الدين وعاهة هذه الملة، قوم عيابون طعانون، يرونكم ما تحبون، ويسرون ما تكرهون. أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار، لقد عبتم على أشياء ونقمتم أمورا قد أقررتم لابن الخطاب مثلها، ولكنه وقمكم (1) وقمعكم، ولم يجترئ أحد يملأ بصره منه