الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ١ - الصفحة ١٠٧
فأنت أولنا إيمانا، وآخرنا بنبي الله عهدا، وهذه سيوفنا على أعناقنا، وقلوبنا بين جوانحنا، وقد أعطيناك بقيتنا، وشرحت بالطاعة صدورنا، ونفذت في جهاد عدوك بصيرتنا، فأنت الوالي المطاع، ونحن الرعية الأتباع، أنت أعلمنا بربنا وأقربنا بنبينا، وخيرنا في ديننا، وأعظمنا حقا فينا، فسدد رأيك نتبعك، واستخر الله تعالى في أمرك، وأعزم عليه برأيك، فأنت الوالي المطاع، قال: فسر علي كرم الله وجهه بقوله، وأثنى خيرا.
ثم قام صعصعة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين، إنا سبقنا الناس إليك يوم قدوم طلحة والزبير عليك، فدعانا حكيم إلى نصرة عاملك عثمان بن حنيف فأجبناه، فقاتل عدوك، حتى أصيب في قوم من بني عبد قيس، عبدوا الله حتى كانت أكفهم مثل أكف الإبل (1)، وجباههم مثل ركب المعز (2)، فأسر الحي وسلب القتيل، فكنا أول قتيل وأسير، ثم رأيت بلاءنا بصفين، وقد كلت البصائر، وذهب الصبر، وبقي الحق موفورا، وأنت بالغ بهذا حاجتك، والأمر إليك، ما أراك الله فمرنا به.
ما قال المنذر بن الجارود ثم قام المنذر بن الجارود، فقال يا أمير المؤمنين، إني أرى أمرا لا يدين له الشام إلا بهلاك العراق، ولا يدين له العراق إلا بهلاك الشام، ولقد كنا نرى أن ما زادنا نقصهم، وما نقصنا أضرهم، فإذا في ذلك أمران، فإن رأيت غيره ففينا والله ما يفل (3) به الحد، ويرد به الكلب (4)، وليس لنا معك إيراد ولا صدر (5).
ما قال الأحنف بن قيس ثم قام الأحنف بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الناس بين ماض وواقف، وقائل وساكت، وكل في موضعه حسن، وإنه لو نكل الآخر عن الأول لم يقل شيئا، إلا أن يقول اليوم ما قد قيل أمس، ولكنه حق يقضى، ولم نقاتل القوم لنا ولا لك، إنما قاتلناهم لله، فإن

(1) خشنة مثل أخفاف الإبل من كثرة العمل.
(2) المراد بمثل ركب المعز: أن بها أثرا ظاهرا من كثرة السجود.
(3) يفل: يوقف ويصير غير قاطع.
(4) الكلب يرده الزجر والضرب.
(5) حل ولا عقد، أي ليس لنا معك رأي بل الرأي هو رأيك.
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»
الفهرست