الحسين، فوالله ما يسرني أن لي الدنيا وما فيها، وما أحسب أن قاتله يلقى الله بدمه إلا خفيف الميزان يوم القيامة. فقال له مروان مستهزئا: إن كنت إنما تركت ذلك لذلك فقد أصبت. خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية قال: وذكروا أن يزيد بن معاوية عزل خالد بن الحكم عن المدينة، وولاها عثمان ابن محمد بن أبي سفيان الثقفي، وخرج الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير إلى مكة وأقبل عثمان بن محمد من الشام واليا على المدينة ومكة وعلى الموسم في رمضان، فلما استوى على المنبر بمكة رعف، فقال رجل مستقبله: جئت والله بالدم، فتلقاه رجل آخر بعمامته. فقال: مه، والله عم الناس. ثم قام يخطب، فتناول عصا لها شعبتان، فقال: مه: شعب والله أمر الناس، ثم نزل. فقال الناس للحسين: يا أبا عبد الله، لو تقدمت فصليت بالناس؟ فإنه ليهم بذلك إذ جاء المؤذن، فأقام الصلاة، فتقدم عثمان فكبر، فقال للحسين: يا أبا عبد الله، إذا أبيت أن تتقدم فاخرج. فقال: الصلاة في الجماعة أفضل. قال: فصلى، ثم خرج، فلما انصرف عثمان ابن محمد من الصلاة، بلغه أن الحسين خرج. قال: اركبوا كل بعير بين السماء والأرض فاطلبوه، فطلب، فلم يدرك. قال: ثم قدم المدينة، فأقبل بن ميثاء بسراح (1) له من الحرة (2)، يريد الأموال التي كانت لمعاوية، فمنع منها، وأزاحه أهل المدينة عنها، وكانت أموالا اكتسبها معاوية، ونخيلا يجد (3) منها مئة ألف وسق (4) وستين ألفا، ودخل نفر من قريش والأنصار على عثمان، فكلموه فيها فقالوا: قد علمت أن هذه الأموال كلها لنا، وأن معاوية آثر علينا في عطائنا، ولم يعطنا قط درهما فما فوقه، حتى مضنا الزمان، ونالتنا المجاعة، فاشتراها منا بجزء من مئة من ثمنها، فأغلظ لهم عثمان في القول، وأغلظوا له. فقال لهم: لأكتبن إلى أمير المؤمنين بسوء رأيكم، وما أنتم عليه من كمون (5) الأضغان القديمة، والأحقاد التي لم تزل في صدوركم، فافترقوا على موجدة، ثم اجتمع رأيهم على منع ابن ميثاء القيم عليها، فكف عثمان بن محمد عنهم، وكتب بأمرهم إلى يزيد بن معاوية.
(١٧٦)