ولا يسأمون من سهر ليلهم، ولا من ظمأ نهارهم، ولا من خمص بطونهم، حتى يدركوا بثأرهم، وينالوا بغيتهم ومطلبهم، فنزلت طائفة منكم معي معذرة (1)، ودخلت طائفة منكم المصر عاصية (2) فلا من نزل معي صبر فثبت، ولا من دخل المصر عاد إلي، ولقد نظرت إلى عسكري وما فيه معي منكم إلا خمسون رجلا، فلما رأيت ما أتيتم دخلت إليكم، فما قدرتم أن تخرجوا معي إلى يومكم هذا، لله آباؤكم! فما تنتظرون؟ أما ترون إلى أطرافكم قد انتقصت، وإلى مصركم قد افتتح؟ فما بالكم تؤفكون! ألا إن القوم قد اجتمعوا وجدوا وتناصحوا، وإنكم تفرقتم واختلفتم وتغاششتم (3)، فأنتم إن اجتمعتم تسعدوا، فأيقظوا رحمكم الله نائمكم، وتحرزوا لحرب عدوكم، إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء، ممن أسلم كرها، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حربا، أعداء السنة والقرآن، وأهل الأحزاب والبدع والأحداث، ومن كانت بوائقة (4) تتقي، وكان عن الدين منحرفا، وأكلة الرشا (5)، وعبيد الدنيا، لقد نمى إلى أن ابن الباغية (6) لم يبايع معاوية حتى شرط عليه أن يؤتيه أتاوة هي أعظم ما في يديه من سلطانه (7)، فصفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا! وتربت يد هذا المشتري نصرة غادر فاسق بأموال الناس! وإن منهم لمن شرب فيكم الحرام، وجلد حدا في الإسلام، فهؤلاء قادة القوم، ومن تركت ذكر مساويه منهم شر وأضر، وهؤلاء الذين لو ولوا عليكم لأظهروا فيكم الغضب والفخر. والتسلط بالجبروت، والتطاول بالغضب، والفساد في الأرض، ولا تبعوا الهوى، وحكموا بالرشا، وأنتم على ما فيكم من تخاذل وتواكل خير منهم وأهدى سبيلا، فيكم الحكماء، والعلماء والفقهاء، وحملة القرآن، والمتهجدون بالأسحار، والعباد، والزهاد في الدنيا، وعمار المساجد، وأهل تلاوة القرآن، أفلا تسخطون وتنقمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم، والأراذل والأشرار منكم! اسمعوا قولي إذا قلت، وأطيعوا أمري إذا أمرت، واعرفوا نصيحتي إذا نصحت، واعتقدوا جزمي إذا جزمت، والتزموا عزمي إذا عزمت، وانهضوا لنهوضي، وقارعوا من قارعت، ولئن عصيتموني لا ترشدوا ولا تجتمعوا،
(١٣٦)