ما فارقت أحدا في جاهلية ولا إسلام، قال: فما يردك؟ قال: يردني ما إن علمته كسرك. فقام بأمر الناس عبد الله بن الزبير.
قتل الزبير بن العوام قام: وذكروا أن الزبير لما انصرف راجعا إلى المدينة أتاه ابن جرموز، فنزل به، فقال:
يا أبا عبد الله، أحييت حربا ظالما أو مظلوما ثم تنصرف؟ أتائب أنت أم عاجز؟ فسكت عنه، ثم عاوده فقال له: يا أبا عبد الله، حدثني عن خصال خمس أسألك عنها. فقال: هات. قال:
خذلك عثمان، وبيعتك عليا، وإخراجك أم المؤمنين. وصلاتك خلف ابنك، ورجوعك عن الحرب. فقال الزبير: نعم أخبرك، أما خذلي عثمان فأمر قدر الله فيه الخطيئة وأخر التوبة.
وأما بيعتي عليا فوالله ما وجدت من ذلك بدا، حيث بايعه المهاجرون والأنصار وخشيت القتل، وأما إخراجنا أمنا عائشة فأردنا أمر وأراد الله غيره، وأما صلاتي خلف ابني فإنما قدمته عائشة أم المؤمنين ولم يكن لي دون صاحبي أمر، وأما رجوعي عن هذا الحرب (1) فظن بي ما شئت غير الجبن. فقال ابن جرموز: والهفاه على ابن صفية، أضرمها نارا ثم أراد أن يلحق بأهله، قتلني الله إن لم أقتله، ثم أتاه فقال له: يا أبا عبد الله كالمستنصح له، إن دون أهلك فيافي، فخذ نجيبي هذا، وخل فرسك ودرعك، فإنهما شاهدتان عليك بما تكره. فقال الزبير: أنظر في ذلك ليلتي، ثم ألح عليه في فرسه ودرعه فلم يزل حتى أخذهما منه، وإنما أراد ابن جرموز أن يلقاه حاسرا، لما علم بأسه، ثم أتى ابن جرموز الأحنف بن قيس، فساره بمكان الزبير عنده وبقوله فقال له الأحنف: اقتله قتله الله مخادعا، وأتى الزبير رجل من كلب، فقال له: يا أبا عبد الله، أنت لي صهر، وابن جرموز لم يعتزل هذا الحرب مخافة الله، ولكنه كره أن يخالف الأحنف، وقد ندم الأحنف على خذله عليا، ولعله أن يتقرب بك إليه، وقد أخذ منك درعك وفرسك، وهذا تصديق ما قلت لك، فبت عندي الليلة ثم أخرج بعد نومه، فإنك إن فتهم لم يطلبوك.
فتهاون بقوله، ثم بدا له فقال له: فما ترى يا أخا كلب؟ قال: أرى أن ترجع إلى فرسك ودرعك فتأخذهما، فإن أحدا من الناس لا يقدم عليك وأنت فارس أبدا، فأصبح الزبير غاديا، وسار معه ابن جرموز وقد كفر (2) على الدرع فلما انتهى إلى وادي السباع استغفله فطعنه، ثم رجع