وإياهم يستعين، وعلى ألسنتهم ينطق، إن رجوا طمعا أو جفوا (1)، وإن استغنى عنهم أرجفوا (2) ثم يلحقون الفتن بالفجور، ويشققون لها حطب النفاق، عيابون مرتابون، إن ولوا عروة أمر حنقوا، وإن دعوا إلى غي أسرفوا، وليسوا أولئك بمنتهين ولا بمقلعين ولا متعظين، حتى تصيبهم صواعق خزي وبيل، وتحل بهم قوارع أمر جليل، تجتث أصولهم كاجتثات أصول الفقع (3)، فأولى لأولئك ثم أولى، فإنا قد قدمنا وأنذرنا إن أغنى التقديم شيئا أو نفع النذير.
قال: فدعا معاوية الضحاك فولاه الكوفة، ودعا عبد الرحمن فولاه الجزيرة، ثم قام أبو خنيف فقال: يا أمير المؤمنين، إنا لا نطيق ألسنة مضر وخطبها، أنت يا أمير المؤمنين، فإن هلكت فيزيد بعدك، فمن أبى فهذا، وسل سيفه، فقال معاوية: أنت أخطب القوم وأكرمهم.
ثم قام الأحنف بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين، أنت أعلمنا بليله ونهاره، وبسره وعلانيته فإن كنت تعلم أنه خير لك فوله واستخلفه، وإن كنت تعلم أنه شر لك، فلا تزوده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة، فإنه ليس لك من الآخرة إلا ما طاب، واعلم أنه لا حجة لك عند الله إن قدمت يزيد على الحسن والحسين، وأنت تعلم من هما، وإلى ما هما، وإنما علينا أن نقول: (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).
قدوم معاوية المدينة وما خاوض فيه العبادلة قال: قالوا: فاستخار الله معاوية، وأعرض عن ذكر البيعة، حتى قدم المدينة سنة خمسين، فتلقاه الناس، فلما استقر في منزله أرسل إلى عبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وإلى عبد الله بن عمر، وإلى عبد الله بن الزبير، وأمر حاجبه أن لا يأذن لأحد من الناس حتى يخرج هؤلاء النفر، فلما جلسوا تكلم معاوية، فقال: الحمد لله الذي أمرنا بحمده، ووعدنا عليه ثوابه، نحمده كثيرا، كما أنعم علينا كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد، فإني قد كبر سني، ووهن عظمي، وقرب أجلي، وأوشكت أن أدعى فأجيب، وقد رأيت أن أستخلف عليكم بعدي يزيد، ورأيته لكم رضا، وأنتم عبادلة قريش وخيارها، وأبناء خيارها، ولم يمنعني أن أحضر حسنا وحسينا إلا أنهما أولاد أبيهما علي على حسن رأيي فيهما، وشديد محبتي لهما، فردوا على أمير المؤمنين خيرا رحمكم الله.