مسيرهم إلينا مع علي، وتهيئهم للمسير إلى الشام، ثم انحشرنا معهم، فصرنا كأنا لا نعرف إلا بهم، فأقبلوا إلينا، ولا تتكلوا علينا، فإن لهم أعدادنا من رؤسائهم فلا تبطئوا عنا، فإن من تأخير العطاء حرمانا، ومن تأخير النصر خذلانا. فحرمان العطاء القلة، وخذلان النصر الابطاء.
ولا تنقضي الحقوق إلا بالرضا وقد يرضى المضطر بدون الأمل.
فلما انتهى كتاب الأحنف إلى بني سعد، ساروا بجماعتهم، حتى نزلوا الكوفة.
كتاب أهل العراق إلى مصقلة (1) قال: وذكروا أنه قام إلى علي بعد انصرافه من البصرة إلى الكوفة، وجوه بكر بن وائل، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن نعيما أخا مصقلة يستحي منك، لما صنع مصقلة، وقد أتانا اليقين أنه لا يمنع مصقلة من الرجوع إليك إلا الحياء، ولم يبسط منذ فارقنا لسانه ولا يده، فلو كتبنا إليه كتابا، وبعثنا من قبلنا رسولا، فإنا نستحي أن يكون فارقنا مثل مصقلة من أهل العراق إلى معاوية.
فقال علي: اكتبوا. فكتبوا: أما بعد، فقد علما أنك لم تلحق بمعاوية رضا بدينه، ولا رغبة في دنياه، ولم يعطفك عن علي طعن فيه، ولا رغبة عنه، ولكن توسطت أمرا فقويت فيه الظن، وأضعفت فيه الرجاء، فكان أولاهما عندك أن قلت: أفوز بالمال، وألحق بمعاوية.
ولعمرنا ما استبدلت الشام بالعراق، ولا السكاسك (2) بربيعة، ولا معاوية بعلي، ولا أصبت دنيا تهنأ بها، ولا حظا تحسد عليه، وإن أقرب ما تكون مع الله، أبعد ما تكون مع معاوية، فارجع إلى مصرك، فقد اغتفر أمير المؤمنين الذنب، واحتمل الثقل، واعلم أن رجعتك اليوم خير منها غدا، وكانت أمس خيرا منها اليوم، وإن كان عليك حياء من أبي الحسن، فما أنت فيه أعظم، فقبح الله أمرا ليس فيه دنيا ولا آخرة. فلما انتهى كتابهم إلى مصقلة، وكان لرسولهم عقل ولسان، قال الرسول: يا مصقلة، أنظر فيما خرجت منه، وفيما صرت إليه، وانظر من أخذت، ومن تركت، وانظر من جاورت، ومن زايلت، ثم اقض بعقلك دون هواك. قال:
وإن مصقلة مضى إلى معاوية بالكتاب، فأقرأه إياه، فقال معاوية: يا مصقلة إنك عندي غير ظنين، فإذا أتاك شئ فاستره عني، فانصرف مصقلة إلى منزله، فدعا الرسول فقال: يا أخا بكر، إنما هربت بنفسي من علي، ولا والله ما يطول لساني بغيبته، ولا قلت فيه قط حرفا بسوء، اذهب بكتابي هذا إلى قومي.