وأمتع به، إنا قد أصبحنا في دنيا منقضية، وأهواء منجذمة (1) نخاف هدها، وننتظر جدها، شديد منحدرها، كثير وعرها، شامخة مراقيها، ثابتة مراتبها، صعبة مراكبها، فالموت يا أمير المؤمنين وراءك ووراء العباد، لا يخلد في الدنيا أحد، ولا يبقى لنا أمد، وأنت يا أمير المؤمنين مسؤول عن رعيتك، ومأخوذ بولايتك، وأنت أنظر (2) للجماعة وأعلى عينا بحسن الرأي لأهل الطاعة، وقد هديت ليزيد في أكمل الأمور وأفضلها رأيا، وأجمعها رضا، فاقطع بيزيد قالة الكلام، ونخوة المبطل، وشغب المنافق، واكبت به الباذخ (3) المعادي، فإن ذلك ألم للشمل وأسهل للوعث (4)، فاعزم على ذلك، ولا تترامى بك الظنون.
ما تكلم به عبد الله بن مسعدة ثم قام عبد الله بن مسعدة الفزاري، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أصلح الله أمير المؤمنين، وأمتع به. إن الله قد آثرك بخلافته، واختصك بكرامته، وجعلك عصمة لأوليائه، وذا نكاية لأعدائه، فأصبحت بأنعمه جذلا، ولما حملك محتملا، يكشف الله تعالى بك العمى، ويهدي بك العدى، ويزيد ابن أمير المؤمنين أحسن الناس برعيتك رأفة، وأحقهم بالخلافة بعدك، قد ساس الأمور، وأحكمته الدهور، ليس بالصغير الفهيه (5)، ولا بالكبير السفيه، قد احتجن (6) المكارم، وارتجى لحمل العظائم، وأشد الناس في العدو نكاية، وأحسنهم صنعا في الولاية، وأنت أغنى بأمرك، وأحفظ لوصيتك، وأحرز لنفسك. أسأل الله لأمير المؤمنين العافية في غير جهد، والنعمة في غير تغيير.
ما قال الأحنف بن قيس قال: فقال معاوية: أو كلكم قد أجمع رأيه على ما ذكرنا؟ فقالوا: كلنا قد أجمع رأيه على ما ذكرنا. قال: فأين الأحنف؟ فأجابه، قال: ألا تتكلم؟ فقام الأحنف فحمد الله وأثنى عليه،