أنك لم تفتح العراق عنوة، ولم تظهر عليها قعصا (1)، ولكنك أعطيت الحسن بن علي من عهود الله ما قد علمت، ليكون له الأمر من بعدك، فإن تف فأنت أهل الوفاء، وإن تغدر تعلم والله إن وراء الحسن خيولا جيادا، وأذرعا شدادا، وسيوفا حدادا، إن تدن له شبرا من غدر، تجد وراءه باعا من نصر، وإنك تعلم أن أهل العراق ما أحبوك منذ أبغضوك، ولا أبغضوا عليا وحسنا منذ أحبوهما، وما نزل عليهم في ذلك غير من السماء، وإن السيوف التي شهروها عليك مع علي يوم صفين لعلى عواتقهم، والقلوب التي أبغضوك بها لبين جوانحهم، وأيم الله إن الحسن لأحب إلى أهل العراق من علي.
ما قال عبد الرحمن بن عثمان قال: ثم قام عبد الرحمن بن عثمان الثقفي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن رأي الناس مختلف، وكثير منهم منحرف، لا يدعون أحدا إلى رشاد، ولا يجيبون داعيا إلى سداد، مجانبون لرأي الخلفاء، مخالفون لهم في السنة والقضاء، وقد وقفت ليزيد في أحسن القضية، وأرضاها لحمل الرعية، فإذا خار (2) الله لك، فاعزم، ثم اقطع قالة الكلام، فإن يزيد أعظمنا حلما وعلما، وأوسعنا كنفا، وخيرنا سلفا، قد أحكمته التجارب، وقصدت به سبل المذاهب، فلا يصرفنك عن بيعته صارف، ولا يقفن بك دونها واقف، ممن هو شاسع عاص، ينوص (3) للفتنة كل مناص، لسانه ملتو، وفي صدره داء دوي (4)، إن قال فشر قائل، وإن سكت فذود غائل (5)، قد عرفت من هم أولئك وما هم عليه لك، من المجانبة للتوفيق، والكلف (6) للتفريق، فأجل ببيعته عنا الغمة، واجمع به شمل الأمة، فلا تحد عنه إذ هديت له، ولا تنش (7) عنه إذ وقفت له، فإن ذلك الرأي لنا ولك، والحق علينا وعليك، أسأل الله العون وحسن العاقبة لنا ولك بمنه.
ما قال معاوية بن أبي سفيان قال: فقام معاوية فقال: أيها الناس، إن لإبليس من الناس إخوانا وخلانا بهم يستعد،