ثم قال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن الناس قد أمسكوا في منكر زمان قد سلف، ومعروف زمان مؤتنف (1)، ويزيد بن أمير المؤمنين نعم الخلف، وقد حلبت الدهر أشطره (2) يا أمير المؤمنين، فاعرف من تسند إليه الأمر من بعدك، ثم اعص أمر من يأمرك، لا يغررك من يشير عليك، ولا ينظر لك، وأنت أنظر للجماعة، واعلم باستقامة الطاعة، مع أن أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيا.
ما رد الضحاك بن قيس عليه قال: فغضب الضحاك بن قيس، فقام الثانية، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أصلح الله أمير المؤمنين. إن أهل النفاق من أهل العراق، مروءتهم في أنفسهم الشقاق، وألفتهم في دينهم الفراق، يرون الحق على أهوائهم، كأنما ينظرون بأقفائهم، اختالوا جهلا وبطرا، لا يرقبون من الله راقبة، ولا يخافون وبال عاقبة، اتخذوا إبليس لهم ربا، واتخذهم إبليس حزبا، فمن يقاربوه لا يسروه، ومن يفارقوه لا يضروه، فادفع رأيهم يا أمير المؤمنين في نحورهم، وكلامهم في صدورهم، ما للحسن وذوي الحسن في سلطان الله الذي استخلف به معاوية في أرضه؟ هيهات لا تورث الخلافة عن كلالة (3)، ويحجب غير الذكر العصبة (4)، فوطنوا أنفسكم يا أهل العراق على المناصحة لإمامكم، وكاتب نبيكم وصهره، يسلم لكم العاجل، وتربحوا من الآجل.
ما أجاب به الأحنف بن قيس قال: ثم قام الأحنف بن قيس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إنا قد فررنا عنك قريشا (5)، فوجدناك أكرمها زندا، وأشدها عقدا، وأوفاها عهدا، وقد علمت