منه، فجعل يضرب بثوبه وجوههم، حتى فرغوا من البيعة، فقال فعلتموها يا معشر الأنصار، أما والله لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم، قد وقفوا يسألونهم بأكفهم ولا يسقون الماء.
قال أبو بكر: أمنا تخاف يا حباب؟ قال: ليس منك أخاف، ولكن ممن يجيئ بعدك. قال أبو بكر: فإذا كان ذلك كذلك، فالأمر إليك وإلى أصحابك، ليس لنا عليكم طاعة، قال الحباب: هيهات يا أبا بكر، إذا ذهبت أنا وأنت، جاءنا بعدك من يسومنا الضيم.
تخلف سعد بن عبادة رضي الله عنه عن البيعة فقال سعد بن عبادة: أما والله لو أن لي ما أقدر به على النهوض، لسمعتم مني في أقطارها زئيرا يخرجك أنت وأصحابك، ولألحقتك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع، خاملا غير عزيز، فبايعه الناس جميعا، حتى كادوا يطئون سعدا. فقال سعد: قتلتموني. فقيل: اقتلوه قتله الله فقال سعد: احملوني من هذا المكان، فحملوه فأدخلوه داره وترك أياما، ثم بعث إليه أبو بكر رضي الله عنه: أن أقبل فبايع، فقد بايع الناس، وبايع قومك، فقال: أما والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي من نبل، وأخضب (1) منكم سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي، ولا والله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الأنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي، وأعلم حسابي. فلما أتى بذلك أبو بكر من قوله، قال عمر: لا تدعه حتى يبايعك، فقال لهم بشير بن سعد: إنه قد أبى ولج، وليس يبايعك حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل ولده معه، وأهل بيته وعشيرته، ولن تقتلوهم حتى تقتل الخزرج، ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الأوس، فلا تفسدوا على أنفسكم أمرا قد استقام لكم، فاتركوه فليس تركه بضاركم، وإنما هو رجل واحد، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد، واستنصحوه (2) لما بدا لهم منه. فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمع (3) بجمعتهم، ولا يفيض (4) بإفاضتهم، ولو يجد عليهم أعوانا لصال بهم، ولو بايعه أحد على قتالهم لقاتلهم، فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر رحمه الله، وولي عمر بن الخطاب، فخرج إلى الشام، فمات بها، ولم يبايع لأحد، رحمه الله. وإن بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى