عرفناه يا أمير المؤمنين، فما يمنعك منه؟ وشتمه القوم، فزجرهم معاوية وقال: مهلا، فرب يوم ارتفع عن الأسباب قد ضقتم به ذرعا، ثم قال: أتعرف هؤلاء يا أبا الطفيل؟ قال: ما أنكرهم من سوء، ولا أعرفهم بخير، وأنشد:
فإن تكن العداوة قد أكنت * فشر عداوة المرء السباب فقال معاوية: يا أبا الطفيل، ما أبقى لك الدهر من حب علي؟ قال: حب أم موسى، وأشكو إلى الله التقصير، فضحك معاوية، قال: ولكن والله هؤلاء الذين حولك لو سئلوا عني ما قالوا هذا. فقال مروان: أجل، والله لا نقول الباطل. قال: ثم جهزه معاوية، وألحقه بالكوفة.
ما حاول معاوية من تزويج يزيد قال: وذكروا أن يزيد بن معاوية سهر ليلة من الليالي، وعنده وصيف لمعاوية يقال له رفيق، فقال يزيد: أستديم الله بقاء أمير المؤمنين، وعافيته إياه، وأرغب إليه في تولية أمره وكفاية همه، فقد كنت أعرف من جميل رأي أمير المؤمنين في، وحسن نظره في جميع الأشياء ما يؤكد الثقة في ذلك والتوكل عليه؟ منعني من البوح بما جمجمت في صدري له، وتطلابه إليه، فأضاع من أمري وترك من النظر في شأني، وقد كان في حلمه، وعلمه، ورضائه، ومعرفته، بما يحق لمثله النظر فيه، غير غافل عنه، ولا تارك له، مع ما يعلم من هيبتي له وخشيتي منه، فالله يجزيه عني بإحسانه، ويغفر له ما اجترح من عهده ونسيانه، فقال الوصيف: وما ذلك جعلت فداك؟ لا تلم على تضييعه إياك، فإنك تعرف تفضيله لك، وحرصه عليك، وما يخامره من حبك، وأن ليس شئ أحب إليه، ولا آثر عنده منك لدينه، فاذكر بلاءه، واشكر حباءه فإنك لا تبلغ من شكره إلا بعون من الله.
قال: فأطرق يزيد إطراقا عرف الوصيف منه ندامته على ما بدا منه، وباح به، فلما آب من عنده توجه نحو سدة معاوية ليلا وكان غير محجوب عنه، ولا محبوس دونه، فعلم معاوية أنه ما جاء به إلا خبر أراد إعلامه به. فقال له معاوية: ما وراءك؟
وما جاء بك؟ فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، كنت عند يزيد ابنك: فقال فيما استجر من الكلام كذا وكذا، فوثب معاوية وقال: ويحك ما أضعنا منه؟ رحمة له، وكراهية لما شجاه وخالف هواه؟ وكان معاوية لا يعدل بما يرضيه شيئا. فقال علي به، وكان معاوية إذا أتت الأمور المشكلة المعضلة، بعث إلى يزيد يستعين به على استيضاح شبهاتها واستسهال معضلاتها،