أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهي الصم (1)، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم، إذا أمرتكم بالمسير قلتم كيت وكيت، أعاليل (2) بأضاليل، هيهات، لا يدرك الحق إلا بالجد والصبر، أي دار بعد داركم تمنعون؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب (3)، أصبحت لا أطمع في نصرتكم، ولا أصدق قولكم، فرق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من هو خير لي، وأعقبكم بعدي من هو شر لكم مني، أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا. وسيفا قاتلا. وأثرة يتخذها الظالمون بعدي عليكم سنة. تفرق جماعتكم. وتبكي عيونكم. وتدخل الفقر بيوتكم. تمنون والله عندها أن لو رأيتموني ونصرتموني. وستعرفون ما أقول لكم عما قليل. استنفرتكم فلم تنفروا.
ونصحت لكم فلم تقبلوا، وأسمعتكم فلم تعوا، فأنتم شهود كأغياب، وصم ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة، وأعظكم بالموعظة النافعة، وأحثكم على جهاد المحلين (4)، الظلمة الباغين، فما آتى على آخر قولي حتى أراكم متفرقين، إذا تركتكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين (5)، تضربون الأمثال، وتناشدون الأشعار، تربت أيديكم، وقد نسيتم الحرب واستعدادها، وأصبحت قلوبكم فارغة عن ذكرها، وشغلتموها بالأباطيل والأضاليل، ويحكم! اغزوا عدوكم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزى قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، وأيم الله ما أظنكم تفعلون حتى يفعل بكم! وأيم الله لوددت أني قد رأيتهم فلقيت الله على نيتي وبصيرتي، فاسترحت من مقاساتكم ومداراتكم، ويحكم! ما أنتم إلا كإبل جامحة ضل عنها رعاؤها (6)، فكلما ضمت من جانب، انتشرت من جانب، والله لكأني أنظر إليكم وقد حمى الوطيس، لقد انفرجتم عن علي انفراج الرأس، وانفراج المرأة عن قبلها.
فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي، فقال: يا أمير المؤمنين فهلا فعلت كما فعل عثمان؟