يصنع في ذلك ما أحب. قال: وإن العبسي أقام بالعراق عند علي، حتى اتهمه معاوية، ولقيه المهاجرون والأنصار فأشربوه حب علي، وحدثوه عن فضائله، حتى شك في أمره.
قدوم ابن عم عدي بن حاتم الشام قال: وذكروا أن عدي بن حاتم قدم إلى علي بالكوفة، قبل أن يسير إلى البصرة، فقال: يا أمير المؤمنين، لسنا نخاف أحدا إلا معاوية، وعندي رجل من قومي يريد أن يزور ابن عم له بالشام، يقال له حابس بن سعد، فلو أمرناه أن يلقى معاوية لعله أن يكسره ويكسر أهل الشام؟ فقال له علي: افعل، فأغروه بذلك، فلما قدم على ابن عمه، وكان سيد طيئ بالشام، سأله فأخبره أنه شهد قتل عثمان بالمدينة المنورة، وسار مع علي إلى الكوفة، وكان له لسان وهيبة، فغدا به حابس إلى معاوية، فقال: هذا ابن عمي، قدم من الكوفة، وكان مع علي، وشهد قتل عثمان بالمدينة، وهو ثقة، فقال له معاوية: حدثنا عن أمر عثمان، قال: نعم وليه محمد بن أبي بكر، وعمار بن ياسر، وتجرد في أمره ثلاثة نفر، عدي بن حاتم، والأشتر النخعي، وعمرو بن الحصين. ودب في أمره رجلان: طلحة والزبير. وأبرأ الناس منه علي بن أبي طالب، ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش، حتى ضلت النعل (1)، وسقط الرداء، ووطئ الشيخ. ولم يذكر عثمان، ولم يذكروه، ثم تهيأ للمسير، فخف معه المهاجرون والأنصار، وكره القتال معه ثلاثة نفر: عبد الله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة، فلم يستكره أحدا، واستغنى بمن خف عمن ثقل، ثم سار حتى انتهى إلى جبل طيئ، فأتاه منهم جماعة عظيمة، حتى إذا كان في بعض الطريق أتاه مسير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة، فسرح رسله إلى الكوفة، فأجابوا دعوته، ثم قدمها، فحملوا إليه الصبي ودبت إليه العجوز، وخرجت إليه العروس، فرحا به وسرورا وشوقا إليه، ثم سار إلى البصرة، فبرز إليه القوم: طلحة والزبير وأصحابهما، فلم يلبثوا إلا يسيرا، حتى صرعهم الله، وأبرزهم إلى مضاجعهم، ثم صارت البصرة وما حولها في كفة، قال: وتركته وليس له هم إلا أنت والشام. فانكسر معاوية لقوله، وقال: والله ما أظنه إلا عينا لعلي، أخرجوه لا يفسد أهل الشام. ثم قال معاوية: وكيف لا يضيع عثمان ويقتل وقد خذله أهل ثقاته، وأجمعوا عليه؟
أما والله لئن بقينا لهم لندرسنهم (2) درس الجمال هشيم اليبيس.