استشارة عمرو بن العاص ابنيه ومواليه قال: وذكروا أنه لما انتهى إلى عمرو بن العاص كتاب معاوية وهو بفلسطين، استشار ابنيه عبد الله ومحمدا، وقال: يا ابني، إنه قد كان مني في أمر عثمان فلتأت لم أستقبلها بعد، وقد كان من هروبي بنفسي حين ظننت أنه مقتول ما قد احتمله معاوية عني، وقد قدم على معاوية جرير ببيعة علي، وقد كتب إلي معاوية بالقدوم عليه، فما تريان؟ فقال عبد الله وهو الأكبر:
أرى والله أن نبي الله قبض وهو عنك راض، والخليفتان من بعده كذلك.
وقتل عثمان وأنت غائب، فأقم في منزلك، فلست مجعولا خليفة، ولا تزيد على أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة، أوشكتما أن تهلكا فتستويا فيها جميعا. وقال محمد: أرى أنك شيخ قريش، وصاحب أمرها، فإن ينصرم هذا الأمر وأنت فيه غافل، يصغر أمرك، فالحق بجماعة أهل الشام، واطلب بدم عثمان، فإنك به تستميل إلى بني أمية. فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني، أما أنت يا محمد فقد أمرتني بما هو خير لي في دنياي. ثم دعا غلاما له يقال له وردان، وكان داهيا، فقال له عمرو: يا وردان ذ، يا وردان ارحل، يا وردان احطط، يا وردان ارحل. فقال وردان: أما إنك إن شئت نبأتك بما في نفسك، فقال عمرو: هات يا وردان، فقال: اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت مع علي الآخرة بلا دنيا، ومع معاوية الدنيا بغير آخرة، فأنت واقف بينهما. فقال عمرو: أخطأت ما في نفسي، فما ترى يا وردان؟ فقال: أرى أن تقيم في منزلك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك، فقال عمرو:
الآن حين شهرتني العرب بمسيري إلى معاوية؟
قدوم عمرو إلى معاوية قال: وذكروا أن عمرو بن العاص لما قدم إلى معاوية، وعرف حاجته إليه باعده من نفسه، وكايد كل واحد منهما صاحبه، فقال عمرو لمعاوية: أعطني مصر، فتلكأ معاوية وقال: ألم تعلم أن مصر كالشام؟ قال: بلى ولكنها إنما تكون لي إذا كانت لك، وإنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق. وقد بعث أهلها بطاعتهم إلى علي. فدخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية، فقال: أما ترضى أن تشتري عمرا بمصر إن هي صفت لك؟ ليتك لا تغلب على الشام. فلما سمع معاوية قول عتبة بعث إلى عمرو، فأعطاه مصر، ولما كتب معاوية لعمرو بمصر، كتب في أسفل الكتاب: ولا ينقض شرط طاعة. وكتب عمرو، ولا تنقض طاعة