بالمصحف، ثم دعا رجلا من أصحابه يقال له ابن هند، فنشره بين الصفين، ثم نادى: الله الله في دمائنا ودمائكم الباقية، بيننا وبينكم كتاب الله. فلما سمع الناس ذلك ثاروا إلى علي، فقالوا: قد أعطاك معاوية الحق، ودعاك إلى كتاب الله، فاقبل منه. ورفع صاحب معاوية المصحف وهو يقول: بيننا وبينكم هذا المصحف، ثم تلا: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون "، ثم نادى من لفارس من الروم؟ فقال الأشعث: والله لا نأتي هذه أبدا، ونرضى معك، أو نقاتل معك وتابعه أشراف أهل اليمن، وركنوا إلى الصلح، وكرهوا القتال.
ما تكلم به عبد الله بن عمرو وأهل العراق قال: وذكروا أن معاوية دعا عبد الله بن عمرو بن العاص، فأمره أن يكلم أهل العراق، فأقبل عبد الله بن عمرو، حتى إذا كان بين الصفين نادى: يا أهل العراق، أنا عبد الله ابن عمرو بن العاص، إنه قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين والدنيا، فإن تك للدين، فقد والله أسرفنا وأسرفتم، وإن تك للدنيا فقد والله أعذرنا وأعذرتم، وقد دعوناكم لأمر لو دعوتمونا إليه أجبناكم، فإن يجمعنا وإياكم الرضا، فذلك من الله، وإلا فاغتنموا هذه الفرجة، لعل الله أن ينعش بها الحي، وينسى بها القتيل، فإن بقاء المقلد بعد الهالك قليل. فقال علي لسعد بن قيس: أجب الرجل، وقد كان عبد الله بن عمرو قاتل يوم صفين بسيفين، وكان من حجته أن قال: أمرني رسول الله أن أطيع أبي. فتقدم سعد بن قيس، حتى إذا كان بين الصفين نادى: يا أهل الشام إنه كانت بيننا وبينكم أمور حامينا فيها على الدين والدنيا، وقد دعوتمونا إلى ما قاتلناكم عليه أمس، ولم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم، ولا أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل منه، فإن يحكم فيه بما أنزل الله فالأمر في أيدينا، وإلا فنحن نحن، وأنتم أنتم، وإن الناس ثاروا إلى علي عند كلام عبد الله بن عمرو، فقالوا: أجب القوم إلى ما دعوك إليه، فإنا دعونا عثمان إلى ما دعاك القوم إليه، فأبى فقاتلناه. فبعث علي الأشعث إلى أهل الرايات، يأمرهم أن ينقضوها ويرجعوا إلى رحالهم، حتى يبرموا رأيهم.
ما خاطب به عتبة بن أبي سفيان الأشعث بن قيس قال: وذكروا أن معاوية دعا عتبة، فقال له: ألن إلى الأشعث كلاما، فإنه إن رضى بالصلح رضيت به العامة، فخرج عتبة حتى إذا وقف بين الصفين نادى الأشعث، فأتاه. فقال عتبة: أيها الرجل، إن معاوية لو كان لاقيا أحدا غيرك وغير علي لقيك، إنك رأس أهل