كتاب علي إلى أبي موسى قال: وذكروا أنه لما بلغ عليا كتاب أبي موسى رق له، وأحب أن يضمه إليه، فكتب إليه: أما بعد، فإنك امرؤ ضللك الهوى، واستدرجك الغرور، فاستقل الله يقلك عثرتك، فإنه من استقال الله أقاله، إن الله يغفر ولا يغير، وأحب عباده إليه المتقون، والسلام.
فلما انتهى كتاب علي إلى أبي موسى هم أن يرجع، ثم قال لأصحابه إني امرؤ غلب على الحياء، ولا يستطيع هذا الأمر رجل فيه حياء.
جوابه فكتب أبو موسى إلى علي: أما بعد، فلو لا أني خشيت أن يؤول منع الجواب إلى أعظم مما في نفسك لم أجبك، لأنه ليس عذر ينفعني، ولا عذر يمنعني منك، وأما التزامي مكة، فإني استنسرت إلى أهل الشام، وانقطعت من أهل العراق، وأصبت أقواما صغروا من ذنبي ما عظمتم، وعظموا من حقي ما صغرتم، فأقمت بين أظهرهم، إذ لم يكن لي منكم ولي ولا نصير.
ذكر الخوارج على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: وذكروا أنه لما كان من الحكمين ما كان، لقيت الخوارج بعضها بعضا، فاجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبي، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، وينسبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا آثر عندهم من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقول بالحق، وإن ضر ومر (1) فإنه إن يضر ويمر في هذه الدنيا، فإن ثوابه يوم القيامة رضوان الله، وخلود الجنة، فاخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها، إلى بعض هذه المدائن، منكرين لهذه البدعة والمضلة، والأحكام الجائرة.
فقال حرقوص بن زهير: إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا تدعوكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، ولا تلوينكم عن طلب الحق، وإنكار الظلم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، يا قوم إن الرأي ما قد رأيتم، والحق ما ذكرتم، فولوا أمركم رجلا منكم، فإنه لا بد لكم من عماد وسناد، ومن راية تحفون حولها، وترجعون إليها.