بلغهم أنه استخلف عمر، فقالوا: نراك استخلفت علينا عمر، وقد عرفته، وعلمت بواثقه فينا وأنت بين أظهرنا، فكيف إذا وليت عنا وأنت لاق الله عز وجل فسائلك، فما أنت قائل؟
فقال أبو بكر: لئن سألني الله لأقولن: استخلفت عليهم خيرهم في نفسي. قال: ثم أمر أن تجتمع له الناس، فاجتمعوا، فقال: أيها الناس قد حضرني من قضاء الله ما ترون، وإنه لا بد لكم من رجل يلي أمركم، ويصلي بكم، ويقاتل عدوكم، فيأمركم، فإن شئتم اجتهدت لكم رأيي، ووالله الذي لا إله إلا هو لا آلوكم في نفسي خيرا، قال: فبكى وبكى الناس، وقالوا:
يا خليفة رسول الله. أنت خيرنا وأعلمنا، فاختر لنا، قال: سأجتهد لكم رأيي، واختار لكم خيركم إن شاء الله: قال: فخرجوا من عنده، ثم أرسل إلي عمر فقال: يا عمر، أحبك محب، وأبغضك مبغض، وقديما يحب الشر، ويبغض الخير. فقال عمر: لا حاجة لي بها، فقال أبو بكر:
لكن بها إليك حاجة، والله ما حبوتك بها، ولكن حبوتك بك. ثم قال: خذ هذا الكتاب واخرج به إلى الناس، وأخبرهم أنه عهدي، وسلهم عن سمعهم وطاعتهم. فخرج عمر بالكتاب وأعلمهم، فقالوا: سمعا وطاعة، فقال له رجل: ما في الكتاب يا أبا حفص؟ قال: لا أدري، ولكني أول من سمع وأطاع. قال: لكني والله أدري ما فيه: أمرته عام أول، وأمرك العام.
ولاية عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ولما توفي أبو بكر وولي عمر وقعد في المسجد مقعد الخلافة، أتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أدنو منك فإن لي حاجة؟ قال عمر: لا. قال. الرجل: إذا أذهب فيغنيني الله عنك، فولى ذاهبا، فأتبعه عمر ببصره، ثم قام فأخذه بثوبه، فقال له: ما حاجتك؟ فقال الرجل:
بغضك الناس، وكرهك الناس، قال عمر: ولم ويحك؟ قال الرجل: للسانك وعصاك، قال: فرفع عمر يديه، فقال: اللهم حببهم إلي وحببني إليهم. قال الرجل: فما وضع يديه حتى ما على الأرض أحب إلي منه.
وكان أهل الشام قد بلغهم مرض أبي بكر، واستبطئوا الخبر، فقالوا: إنا لنخاف أن يكون خليفة رسول الله قد مات وولى بعده عمر، فإن كان عمر هو الوالي فليس لنا بصاحب، وإنا نرى خلعه. قال بعضهم: فابعثوا رجلا ترضون عقله، قال: فانتخبوا لذلك رجلا، فقدم على عمر، وقد كان عمر استبطأ خبر أهل الشام، فلما أتاه قال له: كيف الناس؟ قال: سالمون صالحون، وهم كارهون لولايتك، ومن شرك مشفقون (1)، فأرسلوني أنظر: أحلو أنت أم مر؟ قال:
فرفع عمر يديه إلى السماء وقال: اللهم حببني إلى الناس، وحببهم إلي.