لا يجدون مثلنا، وما أغرانا بهم إلا أنا لا نجد مثلهم، كما قال القائل: مالك تظلمني؟ قال:
لا أجد من أظلم غيرك. ووالله إن ابنه لخير أهله، أعد طعامك يا غلام. قال: فما رفع الخوان حتى جاء رسول خالد بن الحكم إلى ابن عباس، أن انطلق فبايع. فقال للرسول: أقرئ الأمير السلام، وقل له: والله ما بقي في ما تخافون، فاقض من أمرك ما أنت قاض، فإذا سهل الممشى وذهبت حطمة الناس، جئتك ففعلت ما أحببت. قال: ثم أقبل علينا فقال:
مهلا معشر قريش، أن تقولوا عند موت معاوية: ذهب جد بني معاوية، وانقطع ملكهم، ذهب لعمر الله جدهم، وبقي ملكهم وشرها بقية هي أطول مما مضى، إلزموا مجالسكم وأعطوا بيعتكم. قال: فما برحنا حتى جاء رسول خالد فقال: يقول لك الأمير: لا بد لك أن تأتينيا. قال: فإن كان لا بد، فلا بد مما لا بد منه، يا نوار هلمي ثيابي، ثم قال:
وما ينفعكم إتيان رجل إن جلس لم يضركم؟ قال: فقلت له: أتبايع ليزيد، وهو يشرب الخمر، ويلهو بالقيان، ويستهتر بالفواحش؟ قال: مه، فأين ما قلت لكم؟ وكم بعده من آت ممن يشرب الخمر، أو هو شر من شاربها، أنتم إلى بيعته سراع؟ أما والله إني لأنهاكم، وأنا أعلم أنكم فاعلون ما أنتم فاعلون، حتى يصلب مصلوب قريش بمكة، يعني عبد الله بن الزبير.
كتاب يزيد بالبيعة إلى أهل المدينة قال: وذكروا أن نافع بن جبير قال: إني بالشام يوم موت معاوية، وكان يزيد غائبا، واستخلف معاوية الضحاك بن قيس بعده، حتى يقدم يزيد، فلما مات معاوية خرج الضحاك على الناس، فقال: لا يحملن اليوم نعش أمير المؤمنين إلا قرشي: قال: فحملته قريش ساعة.
ثم قال أهل الشام: أصلح الله الأمير. اجعل لنا من أمير المؤمنين نصيبا في موته، كما كان لنا في حياته. قال: فاحملوه، فحملوه، وازدحموا عليه، حتى شقوا البرد الذي كان عليه صدعين (1).
قال: فلما قدم يزيد دمشق بعد موت أبيه إلى عشرة أيام، كتب إلى خالد بن الحكم، وهو عامل المدينة: أما بعد، فإن معاوية بن أبي سفيان، كان عبدا استخلفه الله على العباد، ومكن له في البلاد وكان من حادث قضاء الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه فيه، ما سبق في الأولين والآخرين لم يدفع عنه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فعاش حميدا، ومات سعيدا، وقد قلدنا الله عز وجل ما كان إليه، فيا لها مصيبة ما أجلها، ونعمة ما أعظمها، نقل الخلافة، وفقد الخليفة، فنستوزعه (2) الشكر، ونستلهمه الحمد، ونسأله الخيرة في الدارين معا،